تبدأ قصة «هوس» نسبة كبيرة من السعوديين بمحاولة بيع ماكينات الخياطة الألمانية من نوع «سنجر» قبل نحو شهر، حين أشاع محتال أردني في إحدى محافظات شمال الأردن وجود «الزئبق الأحمر» في تلك الماكينات القديمة. حينها ذهب ذلك المحتال إلى أحد الباحثين عن الذهب، مدعياً وجود كنز ذهبي مخبأ في مكان سري في الأردن، يقدر بملايين الدنانير الأردنية، وحين طلب منه المهتم بالبحث عن الكنوز طريقة استخراج ذلك الكنز، أخبره المحتال بأن الكنز محمي بواسطة الجن، ولا بد من الزئبق الأحمر لاستخراج الكنز، وهو موجود في ماكينات «سنجر». وحين راقت الفكرة للمهتم بالبحث عن الكنوز، اشترى من أشخاص مرتبطين بالمحتال أكثر من ماكينة تقدر قيمة الواحدة منها بأكثر من 100 ألف ريال. وعند هذا الحد، اكتشف المهتم بالبحث عن الذهب، أن المحتال كذب عليه، وأن الزئبق الأحمر «خرافة» لا أساس لها من الصحة، لكن المدهش أن تلك «الخرافة» انتشرت في بقية المحافظات الأردنية، لتصل إلى السعودية قبل نحو أسبوعين، ما أوجد نوعاً من «الهوس» لدى شريحة كبيرة من الأردنيين والسعوديين، معتقدين بوجود الزئبق الأحمر في تلك الماكينات. وفي السعودية انتشرت «الاشاعة»، بدءاً من المناطق الشمالية، وصولاً إلى بقية مناطق المملكة، ودفعت تلك الاشاعة الأهالي إلى البحث عن تلك الماكينات، لبيعها بذلك المبلغ المزعوم وأكثر منه. وعلى رغم عدم وجود حال واحدة لبيع ماكينة بذلك المبلغ المرتفع، إلا أن الأهالي ما زالوا معتقدين بوجود ما يسمى الزئبق الأحمر في تلك الماكينات، وبأن سعرها يصل إلى 100 ألف ريال. وأكد الناطق الإعلامي في مديرية الأمن العام الأردنية الرائد محمد الخطيب ل«الحياة»، «أن الموضوع بكامله نصب واحتيال من عصابة تقوم ببث إشاعات كاذبة في هذا الخصوص، اذ يقوم احدهم بشراء ماكينة بمبلغ من المال، وبعدها يقوم آخرون من العصابة ذاتها بتوفير عدد من الماكينات من ذات المواصفات المطلوبة، لبيعها على المواطنين الذين يبحثون عنها». من جانبه، استغرب الناطق الإعلامي باسم شرطة منطقة الجوف العقيد دامان الدرعان انتشار الاشاعة، وقال إن شرطة المنطقة لم تسجل حالات بيع لتلك الماكينات بتلك المبالغ الكبيرة. وكانت مناطق عدة في شمال وشرق ووسط المملكة شهدت على مدى أكثر من يومين، ازدحاماً شديداً في الأسواق الشعبية (الحراج)، والتي عرضت فيها أعداد كبيرة من ماكينات الخياطة للبيع بأسعار جاوزت 100 ألف ريال. واستحوذت عمليات بيع الماكينات على اهتمام جميع العاملين في الأسواق الشعبية وقاصديها، فيما تعرض بعض الباعة والمشترين لعمليات تغرير، كان من أبرزها خداع امرأة مسنة في محافظة وادي الدواسر، إذ باعت إحدى الماكينات بمبلغ 150 ألف ريال، وحرر لها بشيك من المشتري، لتفاجأ بعد ذلك حين صرفه بعدم وجود رصيد في حساب المشتري. وفي السياق ذاته، وجدت الفرق الأمنية في بعض المناطق، صعوبات في تفريق التجمعات الناتجة من إشاعات وجود الزئبق الأحمر في ماكينات الخياطة، على رغم تأكيدها عدم صحة تلك المزاعم، التي هدف البعض من ترويجها إلى سرقة أموال البسطاء من المواطنين الحالمين بالثراء السريع. الزئبق الأحمر دفع البعض إلى صلة الأرحام! تحتفظ بعض الجدات والأمهات بماكينات الخياطة القديمة كنوع من الذكرى، بينما تحافظ البعض منهن على تلك الماكينات، لاستخدامها في الخياطة. وحين انتشرت اشاعة وجود «كنز» في تلك الماكينات، استغربن قدوم أقاربهن لزيارتهن بعد سنوات طويلة من هجرهن، ليكتشفن أن سبب ذلك الود المفاجئ هو محاولة أخذهم للماكينات، لمحاولة بيعها. وتقول أم محمد (65 عاماً)، إنها تحتفظ بماكينة الخياطة القديمة في مخزن منزلها، مشيرة إلى أنها فوجئت بتودد حفيدها الشاب قبل نحو أسبوع، وتقديمه المساعدة لجدته. وذكرت ان حفيدها طلب منها بعد يومين من المعاملة اللطيفة، أخذ ماكينة الخياطة، لأن والدة صديقه تريد قطع غيار منها، وأضافت: «بعد أن أعطيته الماكينة، اكتشفت سر تودده وأخذه للماكينة، وطلبت منه إرجاع الماكينة حتى أبيعها بنفسي!». ولعل أطرف موقف هو ما يرويه الشاب أحمد الرويلي، الذي قال إن والدته طلبت منه إحضار صندوق «تجوري» كبير إلى منزلها، من أجل حفظ ماكينة الخياطة الخاصة بها. الزئبق الأحمر المادة الأسطورية! اختلفت المصادر حول تعريف الزئبق الأحمر، فبعضها أكد أن الزئبق الأحمر خرافة لا وجود له، وآخرون يرون أنه يستخدم في تصنيع الأسلحة النووية، وأن تركيبته الكيماوية محفوظة في مكان سري للغاية لدى روسيا. ويعتقد البعض أن الزئبق الأحمر يستخدم لتحضير الجان والاستعانة بهم، بينما يؤكد خبراء الآثار، أنه وجد في مومياءات الفراعنة.