هناك توافق عربي أنَّ "السودانيين" يمتازون بالطيبة وأن هذا البلد الذي انصهرت في داخله مجموعات عرقية كثيرة أصبحت متآخية في إطار شعب واحد يمتاز بأنه قد أنجب كفاءات ثقافية وسياسية وأكاديمية مميزة وأن أحزابه الأساسية الرئيسية قد بقيت "متزاملة" ومتعايشة رغم ما بينها من اختلافات "عقائدية" ورغم أن السودان قد شهد انقلابات عسكرية، أكثر مما شهدته سورية أُمُّ الانقلابات، أسوَؤُها على الإطلاق انقلابا جعفر النميري وعمر البشير!. لم يكن هناك حزب المؤتمر الوطني قبل هيمنة عمر البشير، الذي يستحق أن تكون نهايته في إحدى زنازين سجن "كوبر"، وحيث يؤخذ على الدكتور حسن عبدالله الترابي أنه قد أنهى مسيرته السياسية بأن أصبح بمثابة مطية لهذا الرجل الذي هو صاحب أسوأ انقلاب عرفه السودان على كثرة انقلاباته العسكرية، ثم إن ما يؤخذ على الترابي أنه كان متقلباً سياسياً وإنه كان قد توقف في محطات حزبية كثيرة أسوَؤُها على الإطلاق محطة "الإخوان المسلمين". كان السودان قد شهد تكوينات حزبية فعلية وجدية كثيرة معظمها كان قد ظهر مبكراً، أي في نهايات أربعينات القرن الماضي، كحزب "الأمة" الذي كان ورثه الصادق المهدي عن أسرته والحزب الوطني الاتحادي بقيادة أحمد الميرغني وأيضاً، وهذا يجب أن يقال، الحزب الشيوعي الذي أسسه عبدالخالق محجوب وأصبح إحدى القوى المؤثرة في هذا البلد في فترة من الفترات والذي كان قد قام بمحاولة انقلابية فاشلة ضد جعفر النميري في عام 1971 تم على أثرها إعدام محجوب هذا وجوزيف قرنق وهاشم العطا والشفيع أحمد الشيخ ومحمد إبراهيم نقد، وذلك في حين أن حزب البعث، الذي كانت له محاولته الانقلابية أيضاً، قد ظهر متأخراً عن هذه التكوينات الرئيسة التي من بينها وبالطبع الإخوان المسلمون الذين تعود بدايتهم هم أيضاً إلى العام 1949. وهكذا وفي النهاية فإن ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو أن من تناوبوا على رئاسة الدولة في هذا البلد هم إسماعيل الأزهري وإبراهيم عبود وسر الختم خليفة وجعفر النميري وعبدالرحمن سوار الذهب والصادق المهدي (لمرتين).. وأخيراً و"آخراً" عمر البشير.. ولعل ما يجب أن يقال هنا إن سوار الذهب هو أفضلهم وأن البشير هو أسوَؤُهم على الإطلاق.. ويأتي بعده النميري.. وإن من لعب أدواراً رئيسة في هذه المسيرة السودانية هو الصادق المهدي ابن العائلة العريقة المعروفة..