يقولون إنه من الممكن أن تقضي الأنظمة الإلكترونية على الواسطة (السلبي منها على وجه التحديد)، كما يقولون إنه من الممكن أن يقضي ساهر على السرعة (المتهور منها والقاتل على وجه الخصوص)، وأقول، إنهما من الممكن أن يقللوا منهما لكن من غير الممكن أن يقضوا تماماً وحدهم على تلك الظاهرتين السلبيتين، فليس من الممكن أن تحل الآلة (الأنظمة الإلكترونية) مكان الإنسان، أعني أنه لطالما كان الإنسان أذكى من الآلة لأنه هو من وضعها من الأساس ويستطيع بدوره أن يتحايل على هذه الأنظمة مهما علت دقتها وزادت صرامتها، فهذه الأنظمة تعمل كمسكنات للألم ولكنها لا تقضي عليه تماماً، ففي الأماكن التي لا يغطيها ساهر نجد السرعة والتهور موجود بل ولربما بمعدل أعلى من العادة انتقاماً من ساهر، فهنا لا نكون حللنا وقضينا على السرعة والتهور وإنما سكناها في موضع ولم نسيطر عليها في موضع آخر، والحال ذاته كذلك بالنسبة للواسطة، فالنظام الإلكتروني ووضوح المعايير والإجراءات، والقيود التي تضعها الأتمتة ساهم بشكل أو بآخر على الحد من الواسطة بالأخص ذاك الجزء منها الذي يتغذى من سوء الإجراءات وضعف الكفاءة الإدارية، بل ويجعله مبرراً لسلوك سيئ كالواسطة السلبية، ولكن في بيئة عمل أخرى في قطاع آخر لا توجد فيه مثل هذه الأنظمة نجد الواسطة مازالت مستشرية، كما أن هذه الأنظمة لها من يشرف عليها، بل وهناك من له صلاحية لعمل استثناءات من المعايير؛ فبذلك نكون قد أقفلنا باباً واحداً للواسطة وفتحنا باباً آخر، وسكناها في موضع وفقدنا السيطرة عليها في موضع آخر، هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن هذه الأنظمة غير مجدية بل على العكس من ذلك تماماً، ولكنها ليست الحل الوحيد ولا يجدر بها أن تكون كذلك، وجودها مطلب مهم ومؤثر ولكن يجب علينا في الوقت ذاته أن نصلح المنظومة القيمية لأفراد المجتمع، ونستبدل القيم البالية منها بأخرى جديدة.