شجّعت «التغريدة» مستخدميها على طرح ما يجول في أذهانهم من معلومات وأخبار في أشهر شبكات التواصل الاجتماعي «تويتر».. والذي يسمح لمستخدميه بإرسال هذه «التغريدات» التي من شأنها الحصول على إعادة تغريد أو إعجاب المغردين الآخرين.. لكن يبقى السؤال: هل هي حضور معرفي أم وجاهة؟! وتظل كتابة «التغريدة» تستعرض فكر كاتبها لتقوده إلى الجانب المضيء أو المظلم، وما يحدث خلف أعماق هذا البحر الكبير «تويتر» وأمواجه الهادرة. تحدث ل»الرياض» عدد من الأدباء والكتّاب من خلال هذا التحقيق الذي يسلط الضوء على العديد من الجوانب الإيجابية والسلبية في صناعة «أدب التغريدة».. "مختبر الوعي" أكد الإعلامي مشعل الفوازي، أن المستطيل المخصص للتغريدة في "تويتر" يعتبر مختبراً سريع النتائج لمعرفة وعي وإدراك المغرّد، هناك المغرّد الذي تستطيع أن تصفه ب"حاطب ليل"، فتجد في متصفحه الغث والسمين وبينهما كل ما يجده على طريقه أو يخطر بباله، فهو يكتب أي شيء ويعيد تغريد أي شيء دون التأكد من أهميته أو مصداقيته وقبل ذلك من سلامته دينياً وأمنياً وأخلاقياً. ومن المؤكد أنه كل ما زادت شعبية المغرّد - وبالذّات في الأوساط الشبابية - أصبحت مسؤوليته أكبر وأخطر، ولعلنا نجد المثال الأقرب في ما يحدث بالساحة الرياضية من تأزيم للشارع الرياضي عن طريق بعض التغريدات المتبادلة بين من يصنفون على أنهم من نجوم هذا الوسط والمؤثرين به. من جهة أخرى تعاني الحقوق الفكرية من انتهاك كامل من قبل الكثير من المغردين الذين لا يكتفي بعضهم بمسألة النسخ واللصق بل يتعامل مع التغريدة المسروقة على أنها حق أدبي له ويتحاور مع المتداخلين معه على هذا الأساس. وتبدو الشللية في "تويتر" واضحة للعيان من خلال تكتلات تظهر بأكثر من شكل ولون. وأضاف الفوازي: في مستطيل التغريد أيضاً تجد المغرد صاحب الأجندة المعادية الذي ربما لا يأتي بوجهه الحقيقي حتى لا يرفض، ولكن بتلون وخلط وعمل دؤوب طويل المدى. وهناك المغرّد المسؤول، ولا أعني هنا المسؤولية الوظيفية، بل الأخلاقية، التي تفرض عليه استشعار مسؤوليته كاملة في كل ما يكتب.. فهو مواطن، وأب، وقدوة، وكل هذه الصفات تكون حاضرة قبل وأثناء وبعد الكتابة، ولكل منها متطلباته واستحقاقاته ومسؤولياته. "تأويل وتحريف" وأشار الاختصاصي الاجتماعي الأستاذ فاضل علي الشمري إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها "تويتر" في الآونة الأخيرة، أتاحت لكثيرين مزيداً من الإطلاع، وفرصة لتبادل الآراء والمعلومات المفيدة، وشجعت مستخدميها على طرح وجهات نظرهم، وأفكارهم، وشكّلت قيمة مهمة نحو تطوير المدارك وتوسيع الأفق تجاه معرفة الرأي والرأي الآخر، إلى جانب تقارب الأشخاص اجتماعياً ومعرفة أحوال بعضهم البعض، ومثّلت فرصة لتوسيع العلاقات الاجتماعية والصداقات، بيد أن هناك أشخاصاً قد لا يكون "الوعي" لديهم قادراً على فرز الغث من السمين، وساهم في ذلك صراعات بعض قادة الرأي في "تويتر" نفسه، مما وسّع حجم الفجوة بينهما، وهنا ظهرت فئة تقمصت دور "قائد الرأي" بأسماء رمزية ومستعارة، استطاعت أن تستحوذ على جزء كبير من الرأي العام المنقاد بفعل تأويلهم الأحداث المتوالية وربطها ببعضها بحثاً عن خيط مصداقية لخزعبلات اختلقوها، ووجدوا لها من يروجها فضلاً عن تصديقها، مما جعل هؤلاء يعزفون ذات اللحن النشاز الذي بدأه "المتقمصون"، فصارت "الصدامية" و"البغضاء" ديدناً لأغلبهم، سواء علموا أو لم يعلموا، وأصبح "التأويل" و"التحريف" مساراً لبعضهم حتى إنهم كذبوا، وكذبوا، حتى صدّقوا كذباتهم، واستطاعوا أن يفلتوا من أنظار المتتبعين. وتابع الشمري: نتفق أن هناك إيجابيات عند استخدام "تويتر"، ولكن له سلبيات تتزايد بين الحين والآخر، ويتم تفسيرها وفقاً للأهواء، والظهور بثوب العارف في جميع المجالات، إلى جانب تحريف المعلومات عن مسارها الحقيقي، من خلال التسويق للذات والمباهاة بمعرفة ما يدور خلف الأسوار، ناهيك عن ترك الشأن العام، والانسياق خلف تفاصيل شخصية لأفراد معينين، والإساءة والتشهير ببعضهم، دون أن يكون لذلك معنى وفائدة تنعكس على الصالح العام والمتتبعين، بل إنها تثير البغضاء والشحناء بين الأفراد. والتقليل من تأثير استخدام "تويتر" واختزاله في رسائل قصيرة لا تتجاوز 140 حرفاً يطغى عليها تحديثات أصحاب المعرّفات، من خلال ذكر يومياتهم صباحاً ومساءً، حيث إن مفعول ال140 حرفاً مركزاً ومختصراً ذو مفعول أكبر من أن يهمّش، وذلك لا يعني جلداً لذواتنا، بل إنه أمرٌ موجود في شتى أرجاء العالم، وهو ما حدا ب"الصين" وغيرها أن تحجب "تويتر" من بلدانها، إلى جانب استجابة شبكة "تويتر" بحجب بعض التغريدات في دول معينة عن أخرى، بعد أن أضحى منبراً مؤثراً في سير الأحداث الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والرياضية كافة. "أسماء مستعارة" وقالت الأديبة الإماراتية هنادي المنصوري: إن عالم "تويتر" - ويؤسفني هذا - لا يصلح كموطن للكتابة الحرّة الأدبية الراقية! بيئته في الواقع المنصوري: بيئة هشة ومنفرة منفّرة للكتّاب والشعراء بشكل عام! كنت نشيطة في عالمه؛ ولكني لمست الريبة وفقدان الأمان في أعماقه وخلف كواليسه - بشكل عام - تسكن شتى الأصناف المريبة من الأشخاص غير الحاملين لأسمائهم والذين يتقمصون وينشرون الأكاذيب وزعزعة الأمن في قلوب مرتاديه. وتكمل: في عالم "تويتر" وجدت صنفين من المغردين: أولهما "العفوي" الذي ينشر بهدف البوح وكتابة ما في خاطره، وتجده مبدعاً وله آلاف المتابعين، وقد لا يكون له متابعون رغم أنه مبدع، ويعلم الجميع أن كثرة المتابعين تشكل وجاهة أدبية ومكانة في عالم التواصل الإلكتروني. وثانيهما "المغرّدون المرضى"؛ وهم درجات أيضاً! فمنهم من يكتب كل شيء وأي شيء دون وعي في تنسيق الكلام والمعنى والأسلوب ولكنه ينسخ ويلصق ما يجده ملائماً لحجم عقله، وينشره دون مراعاة لأدنى قيم ومبادئ مجتمعية! وتجد لديه عادة آلاف المتابعين! لربما يكونون حقيقيين لأنهم حملوا العقل ذاته الذي يحمل من هشاشة فكر وسطحية! وإن لبوار الأذواق بشكل عام أثراً كبيراً لانتشار مثل هذه الفئة وتكاثرها، وإنهم عبء في تطوير سلوك الأفراد في المجتمع ويعتبرون خطراً على فكر المراهقين الغض سريع التأثر، وإنهم عالة وعار وصورة مخزية عن مجتمعاتهم أمام المجتمعات المتقدمة فكرياً، ولربما يكون متابعو هذا المغرّد السطحي قد اشتراهم بأمواله ليكسب الوجاهة والسمعة التي يفاخر بها في المجالس نظراً لفقر ذاته وفكره الضحل، فهو يعوض فقدهما بهذا الكم الوهمي من المتابعين! إذاً لديه آلاف الوهميين ليعوضوا النقص الذي يعاني منه بماله المهدور! أتمنى أن يتطهّر "تويتر" وبرامج التواصل الإلكتروني من شاكلته! وتختم: التغريدة في الحقيقة حضور معرفي مؤثر وفكر عاكس لثقافة الأفراد إما حضور معرفي ثريّ أو فقير! وإذا فقدت التغريدات هذا الحضور الثري فهي لاشك لن تضيف لصاحبها أدنى وجاهة إلا لأصحاب الفكر الهش!. "أمانة وعهد" أما الكاتب والمؤلف عبده عواجي جمالي فقال: أيها المثقف.. وعرّاب منصات التواصل الاجتماعي.. والمشارك بفاعلية في النقاشات العامة أو تداول الأخبار العابرة وتحليلها.. وأنت تضع إصبعك ملامساً الحرف على هاتفك المحمول أو لوحة مفاتيح جهازك المكتبي لتكتب رأيك أو تعبر عن ثقافتك.. اسأل نفسك في تلك اللحظة: هل هي تغريدة قصيرة ستفوت أم نقش على جدار الحقيقة؟ أهي كلمات عابرة أم وثائق سائرة؟ أهي وجاهة زائلة أم أمانة وعهد؟ أهي أحرف متفرقة أم معانٍ خالدة؟ التغريدة أمانة وعهد.. وحبل صدق وثيق.. وحقيقة للباطن الذي تخفيه.. لماذا نغير العالم بمعنى خاطئ، ونتجاوز جدار الحقيقة بمعلومة مزيفة، لماذا ننقل فقط لمجرد النقل ولو خالف ذلك العقل، لماذا نهرف بما لا نعرف، ونلبس قبعات ليست لنا، ونلون لوحات لم نرسمها، ونكتب سيناريوهات مشاهد لم نعشها، هل ليقول الناس، أنت تجيد الحديث، والخوض في صراعات الكلام، ومحيط بكل جديد. ويستطرد: تذكر أنك لن تستطيع محو آثار كلامك بالأمس، ولن تعيد شريط الذكريات في الدنيا فقد فات، احذر مما وراء زيف الشاشات، وبريق التغريدات، وتذكر قول حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم: "إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النّار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" وتأمل كذلك قول الخليفة المُلهم علي بن أبي طالب في تحفته الشِّعرية: وما من كاتبٍ إلا سيَفنى ويبقي الدهرُ ما كتبت يداه فلا تكتب ب كفكَ غير شيءٍ يَسرّك في القيامةِ أن تراه "موروث ومعرفة" فيما قالت الروائية لولوة السنيدي: "التغريدة" تختلف باختلاف ما لدى الشخص من موروث اجتماعي وثقافي، وبلا معرفة لن تنشأ.. فمن دون المعرفة لن تتكون الكلمات ولن تتشكل المعاني الدقيقة التي توصل القارئ للأفكار التي يريدها الكاتب.. ذلك الإدراك الذي يصنع الدهشة والإعجاب بل في بعض الأحيان إدمان المتلقي للمغرّد.. والتلهّف على كل ما يسطره مداده. السنيدي: نسخ وتكرار وسرقة فكم من كلمة غيرت مساراً، وأجلت أو عجلت قراراً!.. وكم من كلمة محت حزناً دفيناً ودمعاً سخيناً! وتكمل السنيدي: هكذا يجب أن تكون التغريدات الهادفة.. أما ما نجده الآن، بل ويصافحنا دون استئذان من تغريدات قشرية خالية من العمق، لأصحابها أهداف وغايات. فبعض التغريدات مكررة منسوخة سُرقت دون توثيق، بدواعي الإعجاب وزيادة عدد التغريدات. وهناك من لا يحير جواباً ولا رداً بل يعيدها كما هي.. وكأنه يقول عبّرت عمّا في داخلي. والمعضلة والتناقض عندما يكتب "إعادة التغرّيد لا تعني الموافقة" إذاً ماذا تعني؟؟ وهناك منْ يرد جزافاً بألفاظ نابية تعكس أخلاقه كونه باسم مستعار ولن يتوصل إليه أحد، ونسي أن له رباً يحصي كتابه وسيجدها في الآخرة. "مصداقية غائبة" في حين يرى التربوي زيد جازع الشمري أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في فتح الحدود والثقافات بين دول العالم كافة، وكل ما يحدث هنا أو هناك يطلع عليه الطرف الآخر سواء بالسلب أو الإيجاب. وشبكة "تويتر" أشهر تلك الوسائل خاصّة في مجال الكتابة، لأنه يقوم على مبدأ خير الكلام ما قل ودل، وذلك بتقنين عدد الأحرف المحددة لكل تغريدة، وكثير من الأدباء والعلماء والأكاديميين والمفكرين عرفناهم من خلال هذا البرنامج. وهناك مثل مشهور يقول: "كل إناء بما فيه ينضح"، ينطبق هذا المثل على التغريدة، فهناك من تنم تغريداته عن حضور معرفي وتجد الفائدة في محتوى تغريداته، فتقرأ له وتستمتع بإمكاناته وحروفه التي تستحوذ على انتباهك، وتدفعك لقراءة التغريدة أو التغريدات كلّها، سواء كانت تغريداته في مجال تخصصه كالعلوم التربوية أو الصحّية أو الشرعيّة، أو في مجال توعية المستهلك وغيرها من المجالات، وما كان ذلك ليتحقق لولا حروفه وطرحه الرّاقي الذي يعبّر عن ثقافته وقدرته المعرفية. ويكمل: وعلى الطرف الآخر هناك من يأخذ من التغريدة فقط مجرد وجاهة، أي رغبة في جمع أكبر قدر من المتابعين دون النظر للمحتوى من أجل التباهي بأن لديه هذا الكم من المتابعين، وقد يلجأ بعضهم لعملية شراء متابعين بمبالغ ماليّة من مصادر غير معروفة. وتابع: يمكن القول أيضاً إن التغريدة قد تقود صاحبها إلى الوجاهة، فمثلاً بعض الحسابات التي لديها متابعون يتخطون الآلاف فرضت تغريداتهم حضورها في الساحة وأحضرت أولئك المتابعين من مختلف الدول والثقافات، لأنهم وجدوا الفائدة المعرفية في تلك الحسابات، وقد تساهم في الجانب الآخر في انتشار الشائعات دون التثبت من مصدرها وصحّتها، وما أكثر الأمثلة التي لا يتسع المجال لذكرها، ولذا ينبغي على كل فرد أن يستحضر قول الله - جل وعلا -: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيبٌ عتيد)، وكذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: (كل نفسٍ بما كسبت رهينة). الفوازي: تنتهك الحقوق الفكرية عواجي: باطن تفضحه الكلمات الشمري: منبر الأهواء الكاذبة جازع: أرض خصبة للشائعات