حمل المؤتمر الدولي للتعليم العالي، الذي خُتم الأسبوع الماضي في الرياض، كثيرا من الرسائل الاستشرافية لمستقبل الجامعات والتعليم العالي؛ فمنها ما هو نابع من الوزارة لتحقيق رؤية تنظيمية، ومنها ما هو آت من شخصيات بارزة على الساحة الدولية، وركزت على مجالها التخصصي، ولكن ما يهمنا هو رؤية جامعاتنا في هذا المؤتمر لمستقبلها وتوجهاتها لتحقيق رؤيتها. أعتقد أن جامعاتنا بدأت فعليا في التحرك نحو تحقيق أهداف الرؤية الوطنية 2030، والتحول إلى مؤسسات غير ربحية، وهذا هو التوجه الحقيقي الذي لا بد للجامعات من العمل عليه، وتخفيف المصروفات التشغيلية على ميزانية الدولة، وتحقيق معادلة التوازن بين الدخل المناسب والمصروفات التي تخلق البيئة البحثية الجاذبة، بل الأبحاث المميزة. وفي رأيي المتواضع أن تحرك الجامعة الأم – جامعة الملك سعود – يمثل التحرك المتوقع من بقية الجامعات، فهذه الجامعة هي السباقة لتنفيذ التوقعات، وقيادة التحركين العلمي والتنظيمي، كما فعلت في موضوع الكراسي البحثية، والجمعيات العلمية، وأوقاف الجامعة، وتأسيس وادٍ للتقنية، وأروقة للمعرفة ترتبط مع بقية المؤسسات العلمية خاصة جارة الجامعة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وعندما أقول هذا فهو من باب متابعة تحرك وتنافس بقية جامعات الوطن نحو تحديد أذرعها الاستثمارية وبرامجها وأنشطتها القابلة للاستثمار وتحقيق معادلة الدخل. وهنا نرى النموذج، الذي قامت به جامعة الملك سعود بالشراكة مع شركة سابك - على سبيل المثال - لتحويل البحث العلمي إلى منتج قابل للتطبيق والتسويق، وتأسيس مركز للابتكار ومعامل للتجريب، واستقطاب عقول الشباب السعودي. نعم هو رهان، ليس أذرعا استثمارية أو وقفية، وإنما هو رهان على شباب مبدع ومبتكر، يتحين الفرصة للإنجاز وتغيير الصورة النمطية التي يحاول القطاع الخاص تشويهها بنماذج فرية عن شباب كسول وغير مهتم بالعمل. ولعل هذه المرحلة أيضا تقود إلى عقوبة على الشركات، التي تحاول تعزيز هذا التشويه الفردي، وتعميم صورة خاطئة عن جيل المستقبل. ما يهمنا هنا: هل أذرع جامعاتنا ورؤيتها الاستراتيجية قادرة على التحول لتكون مؤسسات غير ربحية، أم هي مؤسسات لا تزال هشة من حيث وضع الميزانيات التقديرية، وقدرتها على تحقيقها من دون الاعتماد على الدعم الحكومي؟ كثير داخل الجامعات السعودية يعتقد أن مشوار تحول جامعاتنا إلى مؤسسات غير ربحية هو مشوار طويل، وهناك مسافات زمنية بين الجامعات، ما يعني ألا تستنكف جامعات حديثة عن التعاقد مع جامعات عريقة، فتضع اليد معها، وتستفيد من أسبقيتها في تحقيق حلم الرؤية. فسباق التميز لن ينتظر أحدا، وهذا سيخلق بيئة عمل مشترك مع الجامعات الناشئة، التي هي الأخرى تملك ميزة القرب من منطقتها الجغرافية البكر، التي تتيح الفرص الاستثمارية علميا للجامعات مع القطاعين العام والخاص.