وأنا أتجول كعادتي في اليوتيوب شاهدت لقاءً قديماً للمفكر الراحل مصطفى محمود، وهو يتحدث أمام نخبة من أعلام ومفكري مصر، وفي سياق حديثه ذكر عبارة استوقفتني كثيراً، يقول فيها وهو يشرح إنتاجه الأدبي والفكري وكتاباته المختلفة أنني بعد مشوار طويل من التأليف والكتابات وفي وقفة مع النفس تساءلت يعني أنا في النهاية " هقابل ربنا بشوية كلام!. هذه العبارة جعلتني أُفكر ملياً هل كان دقيقاً مصطفى محمود في تحجيمه لكلماته التي سطرها خلال مسيرته العلمية والتي لا تحتمل الوقوف أمام رب الكلمة؟ من هنا استحضرت العبارة الرائجة في أدبيات التاريخ الديني للكلمة، والتي تقول: "في البدء كانت الكلمة" عندها أعلنت اختلافي مع مصطفى محمود في عبارته، لأن الكلمة كانت البداية، وكُلنا يعرف أن الأنبياء عليهم السلام جميعاً أتوا بكلمات من الله وهم رُسل حاملين كلامه سبحانه، مبشرين الناس ومنذرين، ولولا قوة الكلمة وتأثيرها لما حملتها الرسالة وكان الأنبياء وسيلة لنقلها، ودتُ لو كنتُ حاضراً في مجلس مصطفى محمود حينها لأقول له: إن الأنبياء كذلك سيُقابلون ربنا بكلماتهم ومعانيهم التي بثوها في نفوس أتباعهم، هذه الكلمات والمعاني هي التي صنعت التاريخ وحولتهم إلى أيقونات ومن بعدهم تلقفناها وعرفنا الله. لا شك أنني لا أضع كلمات الأنبياء عليهم السلام هنا في سياق المقارنة مع غيرهم، ولكنني أؤكد معنى أن الكلمة لها شأن عظيم في نفوس الناس، سنقف أمام الله تعالى ليُحاسبنا عليها، ولولا تأثيرها لما كانت هي الوسيلة في مخاطبة السماء للأرض، ولما كانت محل حساب، "فشوية الكلام اللي هتقابل ربنا فيها"، قد تهدي ضال، وقد تكون بلسماً لمجروح، وتُطيّب خاطراً وتفتح ذهناً، قد تكون طريقاً للنجاة وطوقاً لها، ومن هنا فلا معنى لأن نُحجِّم من تأثير الكلام.