لقد ابتلينا بأناس يعتقدون أن الله سبحانه وتعالى لم يهد سواهم، وأنهم أصدق الناس قيلاً وأهداهم سبيلاً. فتراهم يلزمون الناس بالسير في ركابهم؛ لأنهم أصحاب البصيرة، وعلى من حولهم أن يتبعوهم ويذعنوا لهم، وكأنهم يملكون العصمة، ويحوزون الصواب. نحن بحاجة إلى قبول الآخر، واحترام وجوده، وأنه يملك حرية الاختيار والتفكير، ولا بأس من نقد هذه الأفكار وردها وتصحيح مسارها إذا كانت مخالفة لصحيح الشرع. أما أن نبث خطاب الكراهية والعنصرية لكل من خالفنا واتبع منهجاً آخر يراه؛ فإن في هذا من المفسدة التي تؤدي إلى زعزعة النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية بين أبناء الوطن الواحد. إن في التصدي لخطاب الكراهية المنتشر في بعض القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وعدم السماح لمروجي فكر الكراهية والعنف والإقصاء بالتخفي خلف ستار حرية الرأي والتعبير، لواجب على كل مسلم يحب وطنه أن يقوم به، فضلاً عن محاولة نشر خطاب الأمن والسلام الذي يدعو إليه ديننا الحنيف.. ولا يحتاج الأمر إلى إعمال فكر لتدرك حجم الترويج لهذا الفكر المتطرف عبر القنوات أو مواقع التواصل، فلأول وهلة ترى إحدى القنوات التي دأبت على التحريض ليل نهار من خلال عملائها المأجورين، حيث إنها وسيلة إعلامية تحريضية بامتياز، وذات جسور مشبوهة مع التنظيمات الإرهابية. إن إعلام الكراهية، والذي لعب دوراً سيئاً للغاية على مدى العقدين الماضيين في عمليات الدعاية والتغطية والترويج للأعمال الإرهابية بأشكالها كافة ومحاولة تصويرها على أنها جهاد وبطولة. قد قدم لزعماء تلك التنظيمات المتطرفة في العالم، منابر ومنصات يتحدثون منها وينفثون سمومهم للعالم أجمع. وها هي توابع الكراهية ونتائجها تتوالى أمام أعيننا كل صباح، وكان آخرها حادث التفجير الآثم للمسجد في نيوزيلندا. ليس غريباً على المملكة أن تشجع دائماً حرية الرأي والتعبير، ولكن بما لا يخل بمسؤوليات وسائل الإعلام في الحفاظ على الأمن والسلم الوطنيين، وأن تكون مبادرتاً دائماً بالمحافل والاتفاقيات الدولية كاتفاقية الرياض ونيوزيلندا والمصادق عليها بمرسوم ملكي رقم (274) وتاريخ4 - 6 - 1439ه ومؤتمر التعليم في مكافحة الإرهاب، فضلاً عن أنها لم تسمح أبداً بالتحريض على العنف أو الكراهية. لكل ذلك يجب أن نحيي في أنفسنا معاني "الرحمة والسلام والتسامح والتعايش والإخاء"، تلك المعاني السامية لحقيقة ديننا الحنيف، تلك المعاني التي تعكس أخلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة إلى الكون كله، فالرحمة والسلام هما جوهر الإسلام وحقيقة الإيمان وثمرة الإحسان. إننا بحاجة ماسة إلى أن نُظهر قيمة الرحمة وقيمة السلام التي جاء بها ديننا الحنيف لا كشعارات أو دعاوى، بل كأخلاق حميدة وسلوك قويم ومعاملة راقية وتعايش سلمي. إن على الإعلام دوراً مهماً في كبح جماح خطاب الكراهية، والنأي به عن الإثارة وإذكاء نزعات الحقد والإقصاء، وتعزيز قيم التسامح والتعددية واحترام الآخر. *محامٍ