أصبحت الرياضة حاضراً صناعة، لذا لم تعد متابعتها مقتصرة فقط على الرياضيين، فهناك آخرون ليسوا في الوسط الرياضي، وأصحاب مسؤوليات ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها ويتابعون تفاصيلها. تكشف البطولات الكبرى لكرة القدم عن التفاتة رجال السياسة والثقافة إلى ذلك المعشب الأخضر الجذاب، فيتحول رجال الصف الأول في البلدان مع المثقفين في لحظات إلى مشجعين من الدرجة الأولى في مدرجات الملاعب أو مهتمين خلف الشاشات الفضية. يحضر الكثير من الساسة والمثقفين إلى مدرجات الملاعب خلف منتخبات الوطن، «دنيا الرياضة» تكشف الوجه الكروي لغير الرياضيين، عبر زاوية «الخط الأبيض» التي تبحث عن رؤيتهم للرياضة، وتبحث عن المختصر الرياضي المفيد في حياتهم وضيفنا اليوم، الكاتب والروائي عواض العصيمي. * هل ترى بأن المجالات الثقافية بالأندية قامت بدورها المطلوب؛ وكيف تقيم عملها؟ * لست في موقع من يقيم الأندية، ولهذا أسباب منها أنني لست ممن يعملون من داخلها، ثم إن زياراتي لها قليلة جداً ومنها أن تقييم عمل الأندية في هذه المجالات لا يستطيع أن يقوم به شخص واحد وإنما جهة رسمية متخصصة في هذا الدور. * هل تفاعل الأندية الأدبية مقنع؟ * كل نادٍ يعمل في حدود إمكاناته وصلاحياته، ويعلم كثيرون أن مجالس الأندية جميعها تعمل الآن لتصريف الأعمال بعد مرور سنوات على انتهاء دورة آخر تشكيل رسمي لها، كما أن انتقال الثقافة ومناشطها وفعالياتها إلى وزارة مستقلة يجعلنا ننتظر مرحلة جديدة تعيد صياغة الشأن الثقافي وترتيب المشهد بكامله. التعصب لا علاقة له بالرياضة.. وأنذر سالكي الدروب الضيقة بسرعة * برأيك هل الأندية قادرة على إعادة ثقافة القراءة من خلال حثها الجماهير على ذلك؟ o القراءة نشاط فردي والتعود على هذا النشاط وتطويره وتعميقه منوط بالإنسان القارئ الشغوف بالتحصيل الثقافي والفكري ولا تستطيع أي مؤسسة القيام بهذا الدور على هذا النحو الجاد، ولكن بإمكان الأندية الأدبية أن تشجع على القراءة وتتيح لطالبيها السبل الملائمة لتوفير علاقة إيجابية وفعالة بين الكتاب وزائر النادي، ولكن عندما تستهدف الأندية الجميع وليس فقط النخبة المثقفة لحضور ندواتها وفعالياتها الثقافية، فستكون إسهاماتها في هذا المجال على قدر من التأثير. o لماذا لا نرى تعاوناً بينكم والأندية الأدبية لإقامة الأمسيات بمسارحها؟ o للأندية الأدبية رؤاها الثقافية وبرامجها ومواسمها، وبالتالي غالباً ما تكون المبادرة منها في إحياء الأمسيات وإقامة الندوات، وأظن بأن المثقف حين يدعى للمشاركة فالمتوقع بل من اللائق أن يجيب الدعوة، ولكن يبقى إشكال إعطائه حقه المادي المجزي ضمن الإشكالات القائمة بين النادي الأدبي والأديب أو المثقف بشكل عام. o ما سبب قلة إقامة معارض الكتاب في المملكة؟ o في الفترة الراهنة يقام معرضان دوليان للكتاب في بلادنا، وسيكفينا معرض ثالث مماثل في المنطقة الشرقية لتكتمل صورة الاحتفاء بالكتاب على نطاق المملكة كل عام وفي مواعيد متتابعة، ليتسنى لأكبر شريحة من محبي الكتب زيارتها، وأيضاً سيكون كافياً لدور النشر العربية والمحلية بأن تشارك في المعارض الثلاثة بتصريح واحد وبتكاليف أقل، وأظن بأن الفترة الحالية تعبر بوضوح عن ثقافة تسوقية ومحصول معرفي ناجم من زخم دورات عديدة متوالية للمعرضين وما شهداه على مر الأعوام الماضية من إقبال واهتمام كبيرين، لذلك أظن بأن جمهور معرضي الكتاب وصل في الفترة الحالية لنسبة لا بأس بها من التشبع بالكتب وقد يكون إقباله أقل في المواسم اللاحقة، ومما يؤشر إلى ذلك أن معرض الرياض كان في دوراته الأولى بعد نقله إلى موقعه الحالي يشهد قرابة ثلاثمئة ألف زائر في اليوم ولكن الإقبال عليه في دورات تالية بدأ يقل إلى أن سمعنا في موسمه الأخير بأن درجة الإقبال عليه لم تكن كبيرة. o التعصب في التشجيع هل يمكن أن نسميه تطرفاً فكرياً رياضياً؟ * إن أسوأ ما تنتجه نسب الضخ الإعلامي غير المنضبط بأخلاقيات الرياضة هو التعصب الشديد الموجه تحت زعم الانتصار للنادي الرياضي، والتعصب الأعمى ليس وليد اليوم وإنما منذ موجات التشجيع الأولى للأندية في بداياتها، ما أنتج عبارات راديكالية مثل أن يذكر المشجع ناديه الرياضي ثم يقول إنه يشجعه حتى الموت، وهي عبارات انتشرت في السبعينيات والثمانينيات الميلادية ولا تزال دفقاتها العنصرية تسري في العروق والأجساد مثل سريان النار في الهشيم، وتشجيع النادي لا يعني أن أفكر في الموت حين أفكر في الدفاع عنه، ولا أن أقصي كل ما في الرياضة من جمال ومتعة وأخلاقيات لأدافع عنه بولاء أعمى، وأظن بأن الرياضة مظهر حضاري مهم لدى الشعوب كلها أما التعصب الأعمى فلا علاقة له بأية رياضة في هذا العصر. o هل ترى أن التعصب الرياضي وصل مداه وبات الحوار المتزن غائباً؛ أم نعيش عكس ذلك حالياً؟ o من وجهة نظري المتواضعة، ومن خلال متابعة بسيطة، أظن بأن هناك تماساً ملحوظاً بين التعصب والتشجيع العادي في الإعلام الرياضي المحلي. o هل ترى بأن هناك ثمة علاقة تجمع الرياضة بالثقافة حالياً؟ o الرياضة في حد ذاتها تنتج ثقافتها وخطابها الثقافي، لأنها تعبر عن قطاع كبير جداً هو الجماهير الرياضية الواسعة، وتمثل تحديداً ثقافة الفرق الرياضية وإنجازاتها وصفقاتها، والحراك الرياضي في عمومه، وهي من هذه الناحية جزء من الحراك الاجتماعي العام وأدبياته ومظاهرها السلوكية والفكرية. o الشهرة عالم، كيف يمكن أن تكون شهرة لاعبي الكرة طريقاً لتكريس السلوك الحضاري في حياة النشء؟ o أن يكون اللاعب الرياضي الشهير إنساناً، ويصلح أن يكون قدوة جيدة في أخلاقه وسلوكه ومنطقه، وأتمنى أن يكون لاعبو الكرة في العالم مثقفين ومفكرين، وأنهم حين يتحدثون يفضلون لغتهم الفصيحة على العامية. هل هذا صعب؟ ربما، لكن السهل أن يكون اللاعب في أفضل ما يتوقعه الآخر منه. o في الرياضة يحصد الفائزون والمتألقون الكؤوس، فما الذي يقلل ذلك لدى المبدعين في المجالات الأخرى ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً؟ o الجوائز لا تدل دائماً على استحقاق مؤكد يذهب لمصلحة الفائزين بها، فهي وجهات نظر لجان التحكيم، وبالتالي هي اجتهاد لا يدعي الكمال ولن يستطيع، المعول الأساس يكمن في التميز الحري بالثناء في أي مجال، وهذا هو الوصول الحقيقي للعمل الإبداعي والأداء المتقن، يقول الروائي المغربي أحمد المديني «واهمٌ من يتصور أنه روائي بحق لأنه فاز بجائزة»، والأمر ينطبق على غير الروائي والقاص والشاعر في المجالات الأخرى. o كانت الرياضة للصحة والمتعة، والآن أصبحت للمال أكثر؛ من أفسد بياضها؟ o لا تزال متاحة للصحة والمتعة من وجهة نظري، وللعب الجيد أيضاً. o كيف صارت لغة المال والاحتراف طاغية على الإبداع والإخلاص عند اللاعبين السعوديين؟ o لا أمتلك جواباً قاطعاً، وخبرتي القليلة في هذا الشأن لا تكفيني لإصدار حكم ناجز، ولكن من باب الاجتهاد أقول قد يعود السبب إلى الحرص الشديد على إضافة المزيد إلى السجل الذهبي لكل نادٍ، خصوصاً الأندية الكبيرة المسيطرة على الملاعب من جهة كثافة الجماهير وضخامة الميزانية وقوة النفوذ الإداري، ومنصة التتويج لها سحر وسطوة غير عاديتين وقد تؤثّر على سلامة القرار حين تتقدم فكرة الوصول إليها على التدريب الجيد والإعداد اللائق. o بين مرتبات اللاعبين والمثقفين، من يغلب من؟ o النتيجة محسومة تماماً لصالح اللاعبين في كل الأحوال، ولو جمع الأديب كل أمواله التي تحصل عليها من وظيفته الحكومية طوال عمره لن تصل إلى ربع ما يقدم للاعب مشهور في موسم واحد، أما بيع الكتب الأدبية فلا يزال مردوده ضعيفاً جداً ولا يكفي الكاتب ليغتبط أمام أبنائه بكونه كاتباً. o يقولون: إن حرية الكتابة في المجال الرياضي، أكبر منها في الشؤون الأخرى إلى أي مدى تقنعك هذه المقولة؟ o ما لحظته هو أن الكاتب الرياضي والمحلل الرياضي يستطيعان أن يتحدثا بصراحة كبيرة في الشأن الرياضي، أكبر مما يستطيع أن يقوله الأديب في الإعلام الثقافي، فالأدباء ولا سيما المشتغلين في الإبداع السردي والشعري، يهتمون بإنجاز نصوصهم إلى الدرجة التي يعتقدون أنها كافية من جهة الرضا الذاتي (المؤقت بطبيعة الحال)، ولذلك نجدهم يعكفون على تجويد أعمالهم وينهمكون في إتقان هذا النشاط الإبداعي إلى حدود قصوى. لكن أين هي آراؤهم تجاه الشأن الثقافي والفعاليات التي تنشط من موسم إلى آخر؟ ،هل هم على المستوى ذاته من الصراحة والوضوح الذين نجدهما عند المحللين الرياضين في نقد القصور وكشف الخلل وتعرية الخطأ؟ لا أعتقد. *لمن توجه الدعوة من الرياضيين لزيارة منزلك؟. * حين أمتلك المنزل، وقتها سأفكر. * هل سبق وأن أقدمت على عمل وكانت النتيجة تسلل بلغة كرة القدم؟ * بنفس المعنى، لا أذكر أنني أقحمت نفسي بهذا الخطأ في المجال الكتابي. * شكل لنا منتخباً من المثقفين فربما كُنا طرفاً بنهائي كأس بطولة للمثقفين يوماً ما؟ * مقاييس اللعب هنا تختلف كلياً عما يجري في الملعب الرياضي، فاللاعب يعتمد على عضلاته وبنيته الجسدية ليؤدي مهمته في مركزه، أما الكاتب فعضلاته تكمن في مخيلته ولياقته الكتابية وخبرته الروحية ونشاطه الذهني، وأراني أعجز عن تشكيل منتخب من الكتاب على شاكلة ما يجري في الملاعب. *العقل السليم في الجسم السليم» عبارة نشأنا عليها رغم خطئها؛ فكم من شخصية عبقرية لا تمتلك جسداً سليماً، باختصار.. نريد منك عبارة رياضية بديلة لجيل المستقبل؟. * التكتيك السليم في التفكير السليم. *ما هي المساحة الحقيقية للرياضة في حياتك؟ * أمشي كل صباح أزيد من 20 دقيقة وأحاول المحافظة على علاقة جيدة تجمع بين قدميَّ وشوارع الحي عدة مرات كل يوم. *متى كانت آخر زيارة لك للملاعب السعودية؟ * حتى الآن لم أقم بهذه الزيارة. *أي الألوان تراه يشكل الغالبية السائدة في منزلك؟ * آمل أن تكون ألواناً هادئة وجميلة في الصباح والمساء. *البطاقة الحمراء في وجه من تشهرها؟ * بطاقة حمراء واحدة فقط للمخالفين في أي مكان. *ولمن توجه البطاقة الصفراء؟ * لكل سالكي الدروب الضيقة المتعرجة بسرعة كبيرة. *ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظة الله- أولى أهتماماً كبير ودعماً غير مسبوق هذا الموسم للأندية من خلال إبرام الصفقات وسداد الديون ويطمح لأن يكون دورينا من أفضل 10 دوريات بالعالم، ماذا ينقص هذا العمل إعلامياً؟ * ولي العهد لم يحصر اهتمامه بالقطاع الرياضي فقط، بل شمل اهتمامه كثيراً من مناحي الحياة السعودية، ولا يزال الغيث في أوله، وننتظر منه الكثير وهو أهل لتحقيق الأمل السعودي الكبير. عواض العصيمي في إحدى مناسبات صناعة الأفلام مكتبة العصيمي