من أروع الصفات التي تحرص عليها المرأة في الجزيرة العربية الحياء الذي يزيدها روعة حين يمتزج بالخجل، لذلك يظهر عليها في تصرفاتها وكلامها وصوتها وحركاتها، والحياء شعبة من الإيمان للرجل والمرأة، والشاعر يقول: خير الشمائل للفتاة حياؤها وكذا الفتى بحيائه يزدان وركاز أخلاق الورى وأساسها خُلق الحياء دعا له الإيمان تأصلت صفة الحياء في أخلاق سكان الجزيرة العربية حتى دخلت في العادات والتقاليد، فامتنعت أكثر النساء عن إبداء مشاعر المودة والرحمة نحو زوجها خجلاً وظناً أنه حياء، إلا أن تيقنها بأنه الرفيق الذي لا غنى عنه، والكيان الذي يحميها عند الشدائد وتستمد منه قوتها، والقلب الحنون الذي يضمها في أوقات الحزن، جعلها تعي دوره الجوهري في حياتها كونه صمام الأمان من تقلبات الحياة. واحترم المجتمع قديماً ويحترم حديثاً المرأة التي تقدر زوجها، بل يزيد من احترامه لها في حال أبدت مشاعرها بالحب نحوه، وأظهرت سعادتها برفقته. وللمرأة في الموروث خطوات شجاعة أبدت فيها رأيها ولم يعارضها المجتمع عليه، بل احترمها وتقبلها بصدر رحب وحققت هدفها منه، لكن على أن لا تتعدى المحظورات الاجتماعية والتي تحددها العادات والتقاليد، بأن لا تجعل حياتها مع زوجها ككتاب مفتوح يقرؤهُ الناس، والموروث الشعبي جاءنا بما يثبت أن المرأة أبدت حبها واشتياقها وخوفها وحزنها على زوجها، مثل ما تدعو له في حله وسفره بالسلامة، فكانت تعد له مستلزمات السفر وتظهر معها مشاعر الحزن لفراقه وتبدي ما ستكون عليه من اشتياق أثناء غيابه، وتعدد مآثره وصفاته، التي جعلته من الأكابر في نظرها، لتتمنى عودته سالماً لمشاركتها مسيرة الحياة. شرعت الشاعرة غزوى بنت دريويش في خرز صميل "القِرْبة" للماء ليحملها زوجها معه في سفره، فأنشدت أبيات من الشعر بمشاعر فياضة تتضمن، خوفها عليه، وحزنها لفراقه، الذي يولد اشتياقها له، ولتكون قربة الماء تذكاراً لها معه تمر بمخيلته كلما بلّ ريقه عند الظمأ، الذي خافت عليه منه حين يسرع الجيش به ويبتعد به عنها فصنعت الصميل، تقول الشاعرة غزوى: أبا أرقع صميل القرم حامي عقاب القود أربّه إذا ما راح يذكر معازيبه من ذلّة يظما إلى روحت جلحود ليا عرضوهن تختخ عاوي ذيبه ويا عوي قلبي عوى ذيبا رماه ضمود رماه البندق واعلقوا به أصاويبه والله أعلم يا ناس متى صاحبي بيعود متى عوص الأنضا من جنوبا بتلفي به الشاعرة منيرة العفالق تتوجد على زوجها الذي طال غيابه، ومن المعروف قديماً أن الحياة مشاركة بين الزوجين، فلو غاب أحدهما اختلت جميع الموازين فالحياة الزوجية، وفيها الزوجان يسيران في الحياة بخطين متوازيين لو انقطع أحدهما عن الحياة أو غاب، انقطعت كل مقومات الحياة بالآخر، فيصبح منهزماً يعيش حياة صعبة ما بين مد وجزر، فالمحبة والمودة بين الزوجين تعطيان الحياة الزوجية مناعة وصلابة تصدان رياح الفرقة، ويشعر واحدهم بمرارة الفرقة والضعف بعد فراق رفيق العمر. تقول الشاعرة التي تتضمن أبياتها شعوراً بالوحدة، فغياب الرفيق يخل بموازين الحياة: ليت الهبايب تجيب ذعار يوم المراكيب ماجوبه وا جض قلبي جضيض حوار وأمه مع الركب هجوا به عليك يا مرذي المعطار لوا هني من مسك ثوبه القرم: الشجاع، القود: الإبل، أربّه: كلمة شعبية تعني التمني: أي لعله أو أتمنى أن يتذكرني، من ذلّة: من خوفي، إلى روحت جلحود: إذا أسرع الجيش على شكل جماعة، تختخ عاوي ذيبه: أرض خالية تجوبها الذئاب الجائعة، هجوا به: أي هربوا به. الصميل والقربة يصنعان من جلود الحيوانات