الديموقراطية أحد المخرجات الثقافية الغربية التي صفق لها كثير من العرب ودعوا إلى نشرها في العالم العربي في زمن العولمة وتجاذب الثقافات والحقيقة أن تلك الدعوات لم تكن خالية من الرغبة في التخريب أو التغريب أو السلطة والنفوذ. إن الديموقراطية بقوالبها المختلفة إنما هي وليدة أفكار فلاسفة اليونان وظروف مر بها الغرب عبر العصور لتصل لما وصل له الغرب اليوم من نماذج ديمقراطية تبدو للوهلة الأولى جذابةً ولكن الشيطان يسكن تفاصيلها حيث تعاني من عيوب هيكلية واستراتيجية قاتلة تحد من تحقيق العدالة الاجتماعية والحكم الرشيد المنشود وخصوصاً في حقبة الثورة الصناعية التي قامت لصناعة الاقتصاد والتنمية على حساب الإنسان والقيم فتعاملت مع الأفراد كأداة للإنتاج الاقتصادي وأهملت الأسرة واحتياجات الجانب النفسي والروحي. وما نراه من أحداث في شوارع فرنسا من قبل أصحاب السترات الصفراء إلا مثال واضح لتلك العيوب الهيكلية في النظام الديمقراطي حيث تصرخ الطبقات الاجتماعية المسحوقة من وطئت التجاهل وضياع الحقوق فوجدت في وسائل التواصل الاجتماعي ضالتها لتوحيد جهودهم لمهاجمة الديموقراطية التي وجدت نفسها مضطهدةً بها. فكيف للديموقراطية أن تسمح بذلك سواء كانوا أقلية أو أكثرية فإذا كانوا أقلية فلماذا يتم التفاوض معهم ويستجاب لضغوطهم وإن كانوا أكثرية فلماذا يتم تجاهلهم. إن الجواب يكمن في فكرة الديموقراطية التي تهتم بالأقوياء وأصحاب المال والنفوذ ويحركها الإعلام. باع الغرب للعرب بضاعتهم السيئة فصفق لهم من صفق ونادوا بضرورة القضاء على نماذج الحكم التقليدي ودعوا لنشر الديموقراطية المزعومة وأثبتت أحداث كثيرة في التاريخ الحديث والقديم مروراً بعصر الانقلابات العربية وموجة القومية العربية والاشتراكية وأخيراً ما يسمى بالربيع العربي أن الدول العربية ذات الحكم التقليدي هي الأقوى في مواجهة العواصف والضغوط والأقدر على استدامة التنمية والاستقرار في حين عانت الدول التي اتخذت من النموذج الغربي نموذجاً لها من ضعف الانسجام في العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم وبالتالي سهولة زعزعة الأمن وانحسار التنمية وتشرد الشعوب والفقر بتعاون مغرض من الإعلام الخبيث الذي يرفع شعار الحرية ويضمر الرغبة في التخريب. إن الديموقراطية التي تسوق في مجتمعاتنا ما هي إلا سلاح الشيطان لاختراق المجتمعات لا لإصلاحها وما حدث في العراق وليبيا وغيرها من البلدان إلا دليل على استبدال الدكتاتورية بحكم الطوائف المتنازعة باسم الحرية فذهب خوف وجاء خوف وتشرد وفساد وجوع في بلاد تسبح بالخير والثروات.