يبدو أن الثلاثاء الماضي 19 مارس، كان يوماً استثنائياً في تاريخ نيوزيلندا التي تقع في غرب المحيط الهادئ والتي تبلغ مساحتها 268021 كلم2 ويسكنها قرابة الخمسة ملايين نسمة، ففي مشهد ميلودرامي غارق في الحزن، افتتح البرلمان النيوزيلندي الذي أنشئ في عام 1854 بآيات من سورة البقرة، تلاها الإمام نظام الحق ثانوي، قبل أن تُلقي رئيسة الوزراء في نيوزيلندا جاسيندا أرديرن كلمة مؤثرة بدأتها بتحية الإسلام: «السلام عليكم»، ثم قالت بنبرة حزينة: «إن يوم 15 مارس من عام 2019 سيكون محفوراً للأبد في ذاكرتنا الجماعية، فهو يوم من أشد أيام نيوزيلندا سواداً، بعد أن اقتحم مسلح بعد ظهر يوم جمعة هادئ مكاناً للسلام وخطف أرواح 50 شخصاً جاؤوا لمكان عبادة آمن ليصلّوا بسلام»، ورفضت أن تذكر اسم الإرهابي بيرنتون هاريسون تارانت «28 عاماً» الذي يؤمن بأفضلية العرق الأبيض على غيره والذي ارتكب مجزرة بشعة في مسجدين في مدينة كرايست تشيرتش، حيث شرع في إطلاق النار بشكل عشوائي على المصلين، أدت إلى مقتل 50 شخصاً وأصيب 50 آخرون، في حادثة بشعة تُعدّ الأسوأ في تاريخ نيوزيلندا، وقد بث الإرهابي جريمته من بدايتها إلى نهايتها بشكل مباشر عبر تقنية «لايف فيسبوك» مستخدماً كاميرا ثبتها على جسمه، في مشهد صادم أبكى العالم أجمع. ذلك هو ملخص تلك القصة المأساوية التي حدثت في يوم الجمعة 15 مارس الماضي، والتي دقّت من جديد نواقيس الخطر ضد ظاهرة التطرف التي تُمثّل سرطاناً فتّاكاً، ينخر في جسد/ استقرار العالم، كل العالم. حادثة المسجدين في مدينة كرايست تشيرتش النيوزيلندية: مسجد النور الذي بُني على نفقة الملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله في عام 1981، ومسجد مركز لينود الإسلامي وهو ثاني مسجد يُفتتح في هذه المدينة المسالمة، تؤكد بما لا يدعو للشك، بأن الإرهاب والتطرف والكراهية، آفات/ ظواهر عالمية لا دين ولا لون ولا ثقافة لها، ويجب التصدي لها بكل الطرق والوسائل والأسلحة، مهما كانت منابعها وحواضنها وغاياتها. نعم، حادثة المسجدين شنيعة حدّ الوجع، ولكنها لا تخلو من الدروس والعبر، خاصة لدى المجتمعات الغربية التي آن لها أن تكبح جماح الخطاب التحريضي التعبوي الذي يُشيّطن المسلمين أو ما يُعبّر عنه بالإسلاموفوبيا -الخوف المرضي من الإسلام- والذي يُشجّع المتطرفين والعنصريين واليمينيين الذين يحملون أفكاراً وأيديولوجيات التفوق/ التميز الأبيض، لممارسة الإرهاب والكراهية والاستعلاء ضد الآخر، خاصة المسلم الذي يُصوره بعض الساسة والمثقفين والإعلاميين وكذلك بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة، كمشروع قاتل ينتظر الفرصة المناسبة لتنفيذ جريمة مدوّية ضد المجتمع الغربي الذي يعيش وسطه. نحن أيضاً كمسلمين، وإن كنا الضحية هذه المرة، نحتاج للكثير من الوعي والحكمة وضبط النفس، وألا نضع الغرب في سلة واحدة، فنحن والغرب مستهدفون على الدوام من هذا الخطر الداهم العابر لكل القارات والأديان والأعراق والأعراف والقيم والمواثيق والقوانين. نحن نطالب الآخر/ الغرب دائماً أن يُشير بإصبع الاتهام فقط في وجه كل من يُمارس الإرهاب والعنف والتطرف كداعش وغيرها، دون أن يُلصق تُهمه ومخاوفه بديننا العظيم الذي يدعو للتسامح والوسطية واحترام الآخر، تماماً كما ينبغي لنا كمسلمين ألا نُحمّل المجتمعات الغربية تبعات المظاهر الإرهابية التي يُمارسها بعض الغربيين، ونحن بذلك نُطبّق القاعدة القانونية والعدلية التي وضعها لنا إسلامنا العظيم وهي في قوله تعالى: «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى».