أسرع عجلة ممكن أن تحس بتسارعها في محيط الحياة هي عجلة الزمن.. إنها لا تتوقف؛ حيث تمضي بنا نحو تلك النهاية المحتومة علينا جميعاً مع اختلاف المواعيد، ونعلم أن لهذه العجلة محطة وداعٍ ينتهي في لحظتها وموطنها كل شيء، وعندها تُعلن مراسم الانتقال إلى حياةٍ أخرى. لي صديق عزيز مغترب أرسلت له صورةً جمعتني به في أيامٍ قد طوتها عجلة الزمن، فرد يقول: «بعض الذكريات تُدمِع العين» انتهى. لا يتبقى من الصُوَر إلا الحُزن والذِكْرى، أما الأيام فتُطْوى إلى الوراء، والسعادة التي تسكن في صورنا أو أذهاننا، نعلم أن الزمن سيتجاوزها ويأخذ بأيدينا إلى المُضي قُدُماً نحو النهاية، مُكرَهين بلا شك. غَضِبْت من زوجتي ذات يوم وقلت في نفسي هنا ستكون النهاية، سأضع حداً لهذه اللحظات المزعجة وأبدأ من جديد، لكن ذاكرتي لا تسمح لمثل هذه الحماقات بأن تعبر، لقد صنع خيالي على الفور فيلماً على عَجل، جمع بعض اللحظات الجميلة التي تشاركناها واصطنعناها في أيامٍ قد طوتها عجلة الزمن .. فتراجعت بالطبع والتزمت الصمت حتى انكشفَت الغيوم، غيوم الأزمة، وعادت الشمس لتُشرق على حياتنا من جديد، كل هذا لأنني نسيت أن تلك اللحظات المزعجة ستمضي (وما أنسانيهُ إلا الشيطان أن أذكره). ستعصف بنا صوارف الحياة، وتمضي بنا الأيام، حُلوها ومُرها، والفطين يتعلم ويُدرك ويصبر ويتفهَّم، فليست الحياة الدنيا إلا هكذا، خليطا من كل شيء، وليس أبلغ من قوله تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)؛ موعظة تأخذ بعقلك إلى الواقع الحقيقي للحياة من دون تزييف، تمعَّن هذه الآية ليصل المعنى إلى قلبك أيضاً. الأيام تُغيّر كل شيء، أنا اليوم لست مثل الأمس أبداً، قراءتي للمواقف والأحداث وحتى مبادراتي أصبحت أقل حماسةً من أي وقتٍ مضى، أدركت بالتجربة أن الأيام تأخذ من كل شيء، وقد قال الحبيب: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)؛ ذلك لأن الأيام لا تترك شيئًا على حاله أبداً. ومع أنني ما زلت في سن الشباب، إلا أن مدرسة الزمن قد أعطتني دروساً متقدمة في ماهية النهايات، وكيف نصل إليها بسلام. أختم قائلاً: لا تكتئب لأن السعادة لم تتوقف على أعتابك طويلاً، وأن أحوالك تتبدل كثيراً، وأن يومك جاء غائماً، وأن الشمس التي تنتظرها قد توارت خلف الحُجُب؛ لأنني أنا وأنت من المؤمنين، والمؤمن مأجور في كل أحواله إن صبر واحتسب. وتذكر دائماً، أرجوك، أن الأيام ستمضي من دون توقُّف، إلى أن تبلغ بك تلك العجلة إلى النهاية الأولى من فصول الحياة. والسلام.