هُناك خَصْلَة سهلة تنقلُ الإنسان من الشقاء إلى السعادة بإذن الله تعالى، ومن القلق والتوتر إلى الطمأنينة والسكينة، ومن انشغال الذهن إلى راحة البال، ومن المرض إلى الصحة، ومن الفاقة إلى الغنى.. خصلة واحدة تمنحك محبة الله والناس، وتفتح لك أبواب السعادة والنجاح، بل تُحيل الخشب إلى ذهب.. إنها (سهلة)! .. لكنّها من السهل الممتنع! .. إنّ أكثرَ البشر يُؤمنون بها ويُؤيِّدونها ولكنّ القليل منهم الذين يُطبِّقونها! . هل عرفتَ - أيها القارىء الكريم - ماهي تلك الخصلة العظيمة التي تجمع الفضائل في خيطٍ مُعطّرٍ من حرير، وتَهَبُ الإنسانَ إذا تحلّى بها السعادةَ والجمال وراحة البال؟! إنها (الاعتدال) .. هذه الخصلة مهما مَدَحْتَها فلن تكونَ مبالغاً، ومهما عددتَ ماتهبك من كنوز فلن تستطيعَ لها حصراً.. الاعتدال في تناول الطعام، وفي صرف المال، وبين العزلة والاختلاط بالناس، وبين البخل والإسراف، وبين الادخار والاستثمار، وفي قيادة السيارة، ومعاملة الناس، وفي الحب والبغض، في كل سلوك.. وكل مجال.. يقول الاعتدال: ها أنا ذا أَصِلُ بك إلى السلوك القويم، والصراط المستقيم، بفضل الله عزّ وجل.. إنّ أدقّ تعريف للفضيلة هو أنها (التوسُّط بين رذيلتين) بين البخل والإسراف، وبين الجبن والتهوُّر، وبين الطمع والقناعة، وبين التشدُّد والتسيّب، وبين التسرُّع والبطء.. كُلُّ الفضائل ينظمها (الاعتدال) في عقدٍ ثمين، يُزيّن صاحبه من الداخل والخارج، ويزيد حياته استقرارا وطمأنينة.. والاعتدال من مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف، فنحن (أُمّةٌ وَسَط) وآيات الذكر الحكيم في الحضّ على الاعتدال كثيرة مُنيرة تُحقّق لمن طبّقها سعادتي الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) (29) سورة الإسراء (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (31) الأعراف (وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (143) البقرة (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (77) القصص (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (19) لقمان (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَامًا) (67) الفرقان (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (18) لقمان (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)) الإسراء