حين نمشي لأكثر من ثلاثين دقيقة يتملكنا شعور جميل بالهدوء والسكينة وحدة الذهن.. ليست تعبيرات مجازية بل أوصافاً حقيقية تساندها تجارب شخصية ودراسات علمية.. فالمشي السريع (مثل أي تمارين رياضية) يرفع نبضات القلب ويضخ المزيد من الأكسجين والسكريات للدماغ. تخيله كمحرك سيارة ترتفع قوته وسرعته، بارتفاع كمية البنزين والهواء التي تضخها داخله. هذا هو السر في حالة التألق الذهني (والكم الهائل من الأفكار الجميلة) التي نشعر بها خلال مشينا لفترة أطول وأسرع من المعتاد. هناك دراسة دنماركية تفيد أن الإصابة بالزهايمر تقل بنسبة 30 % لدى الأشخاص الذين يمشون خمس مرات في الأسبوع لفترة طويلة.. فالإصابة بالزهايمر لا تعود فقط لأسباب وراثية؛ كون الكسل وقلة الحركة مسؤولين عنه أيضاً بنسبة كبيرة.. دراسات كثيرة قارنت بين التوائم؛ حيث يفترض أن إصابة أحدهم بالزهايمر يعني تلقائياً إصابة الآخر به (بسبب تماثل العامل الوراثي) ولكن لوحظ في 21 % من العينات أن الأخ الآخر لا يصاب به كونه أكثر نشاطاً وممارسة للمشي - وأعتقد شخصياً أن النسبة أكبر من ذلك كون التوائم يتشاركون غالباً حتى في عاداتهم الصحية السيئة ونسبة 21 % تتعلق فقط بأخ شقيق خالف شقيقه ومارس رياضة المشي لفترة طويلة. نأتي الآن لمشاعر الهدوء والسعادة التي تصيبنا بعد المشي لفترة طويلة.. ويعود السر إلى وجود مواد طبيعية مهدئة تفرز في الدماغ أثناء الحركة تجعل الإنسان في حالة مزاجية وذهنية ممتازة.. من هذه المواد هرمون الإندورفين الطبيعي الشبيه بالمورفين الذي يساعد على تخفيف الآلام ويعطي شعوراً بالراحة والسعادة. ويُعتقد حالياً أنه المسؤول عن حالة الشعور بالسعادة والغبطة التي يشعر بها العداؤون المنتظمون، ويجعلهم في حالة إدمان حقيقي على رياضة الجري والمشي الطويل. لا يمكننا فعلاً حصر فوائد المشي على صحة الإنسان ودوره في الحفاظ على سلامة العقل والروح والجسد.. مقالنا اليوم اقتصر على دوره في تألق الذهن وهدوء النفس، ولم يتطرق لفوائده للقلب والرئتين والعضلات والصحة عموماً. لنكن صريحين؛ لن تمارس الرياضة.. ولن تستمر في النادي.. ولن تستخدم السير لأكثر من أسبوعين.. الشيء الوحيد الذي تستطيع الانتظام فيه هو إيقاف السيارة والمشي لنصف ساعة في اليوم.