العرب عاطفيون ومتطرفون في العاطفة، كالصحراء التي عاشوا فيها، فإن الصحراء متطرفة في أجوائها، فمرة تصفو أنسامها ويرق أديمها، ومرة تدمدم عواصفها وتثور أتربتها، هي متطرفة في الرقة والقسوة، متقلبة في الحرارة والبرودة، حتى في المطار.. تمر بها سنوات عجاف من القحط.. وتمر بها أحياناً أمطار هائلة تساوي المرتفعات بالمنخفضات وتقلع الشجر، وتدربي الحجر، وتطرد الظباء إلى أعالي الجبال خوف الغرق.. هذا التطرف المشهور والتقلب المشهود في طبيعة الصحراء انعكس على الأحياء فيها بشكل كبير، فسكانها العرب متطرفون في الحب والبغض والرضا والغضب، والإقبال والادبار والرقة والقسوة، وقد لخص هذا كله الشاعر العربي في بيت واحد عجيب: نحن قوم تذيبنا الأعين النُّ جل على أننا نذيب الحديدا وأقوى ما تكون رقة العربي إذا شغف الحب قلبه فإن عواطفه ترق حتى تصير كالماء المنساب وتذوب كأنها بقايا الطل على شفاه الزهور وتفوح بالمودة كما تفوح الورود الممطورة بعابق العبير والعطور. فتاة الخدر ورغم ان المنخل اليشكري جاهلي، واعراب الجاهلية اجلاف، إلا أنه - وهم مثله - إذا احبوا لانوا.. ورقت عواطفهم وصارت لغة الشعر عندهم كلفة الحب مترفة فيها رقة وانسياب، وفيها لين وأنسام قال: ولقد دخلت على الفتاة الخدر في اليوم المطير الكاعب الحسناء تر فل في الدمقس وفي الحرير فدفعتها فتدافعت مشي القطاة إلى الغدير وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري! ويقول الشاعر الشعبي محمد الجميعي: يا العين هاتي وانا ابجيب ما يتفق صبر وسكات على وليف يعمل الطيب ينثر على الصدر تولات وان كان ورد الحبيب مغيب هاتي من الدمع زومات ودموع العشاق في الشعر الشعبي تسيل كما تسيل عواطفهم (يا عين هلي).. تتكرر في شعر ابن سبيل وابن لعبون ومحسن الهزاني والقاضي ومعظم العاشقين.. مع ان بكاء الرجل صعب جداً.. واعترافهم به أصعب إلا في حالة الوجد من شدة العشق.. فإن الشعراء الشعبيين يصرحون بهذا البكاء، ويصفون كيف سالت عواطفهم دموعاً من عيونهم. وقد يخفي العاشق دمعة عن حبيبه.. وفي هذا رقة متناهية.. يقول الشاعر الشعبي سلمان بن حاذور: اذكر هلَ الطايف عسى الطايف يسيل عسى السحايب كل يوم تعلّه ذكرى الليالي الماضيه والتعاليل عليه دمع العين دايم تهله عليه دمع العين مثل الهماليل وإلى ضواه الليل يا عبرة له اشكي عليك الحال عسر المداخيل يخفي دموع العين لا ينفطن له لا عاد لا حيله ولا به مراسيل مشكل غرام الحب يا من يحله بلواك يا راعي العيون المظاليل اللي خذيت الزين والملح كله والعرب تصف شدة الرقة بدموع العاشقين، يضربون بها المثل فيقولون: «ارق من دمع العاشق» *** ومن الشعر الشعربي الذي تسيل فيه العواطف رقة وعذوبة، وتتجلى من خلاله تضحية وفداء.. قول الشاعر: قلبي يحدثني بأنك متلفي روحي فداك عرفت أم لم تعرف لم أقض حق هواك ان كنت الذي لم اقض فيه أسى ومثلي من يفي مالي سوى روحي، وباذل نفسه في حب من يهواه ليس بمسرف فلئن رضيتَ بها فقد اسعفتني يا خيبة المسعى إذا لم تسعف يا مانعي طيب المنام ومانحي ثوب السقام به ووجدي المتلف عطفاً على رمقي وما أبقيت لي من جسمي المضنى وقلبي المدنف واسأل نجوم الليل هل زار الكرى جفني وكيف يزور من لم يعرف ولما جرى في موقف التوديع من ألم النوى شاهدت هول الموقف اهفو لأنفاس النسيم تعلّةً ولوجه من نقلتْ شذاه تشوفي فلعل نار جوانحي ان تنطفي بهبوبها، وأود ان لا تنطفي! ويقول الأمير خالد الفيصل في شعر رقيق العواطف، منساب المشاعر: حوّل سحابي واحسب اني وصلته وهبت هبايبها وشالت سحابي حلم على غفوة زماني حلمته ليت الزمان اللي غفا ما صحا بي في غمضة من ليل عمري سرقته لا شك حظي من عذابي وشى بي الليل يوم أنه صحابي جرحته والعمر في مجروح ليلى سرى بي من وقتي المجروح لجروح وقته يمشي وحظي بالعثاير مشى بي لو ان قيدي في يديني كسرته مير البلا قيد الغرام التوى بي الله من صوت على الشوق جبته والله من كلمة غلا في كتابي اطوّح المسحوب* مع كل نهته* واسمع على همس الليالي جوابي يا معشر العشاق قلبي عصرته قطرات خفق من الوجد ذابِ على عشير بالوفا قد ودعته لو شبت احبه مثل فتنة شبابي *(نهتة) تنهد.. والمسحوب لحن شجي