لكرة القدم قصص وروايات فهي كالحُب تسكن القلب ولا تغادره، تجرحه وتعذبه فيزداد بها عشقاً.. فإذا هجرها هجرته.. وإذا تجاهلها تركته، حتى يعود إليها ليطلب ودها ويرجو وصلها.. في بداية انتشار لعبة كرة القدم في مصر قال الأديب المصري توفيق الحكيم مقولته الشهيرة متجهماً ومعترضاً على هذا الهوس الذي سكن رفقته من الأدباء وأنساهم فنون الشعر والأدب: انتهى عصر القلم.. وبدأ عصر القدم"، وربما لعدم محبته لهذه اللعبة دور في ذلك. فللناس فيما يعشقون مذاهب. بالمقابل لا يمكن لمتابع أن ينسى التصريح الشهير من الشاعر الفلسطيني محمود دوريش المهووس بمتابعة كرة القدم وأنشطتها "أُفضّل متابعة مباراة كرة قدم على حضور أمسية شعرية حتى ولو كان من سيُحيها أبو الطيب المتنبي". بل إن درويش كتب مقالاً تاريخياً نعى فيه عشاق الكرة وهو في مقدمتهم بعد إنتهاء مونديال 1986م أو ما يُسمى في العُرف الرياضي بمونديال مارادونا معبراً فيه عن مشاعر الآسى والحزن على فقدان ليالي هذا الأرجنتيني العبقري قائلاً فيه: "ماذا نفعل بعدما عاد مارادونا إلى أهله في الأرجنتين؟ مع منْ نسهر بعدما اعتدنا أن نعلّق طمأنينة القلب وخوفه على قدميه المعجزتين؟ وإلى من نأنس ونتحمس بعدما أدمنّاه شهراً تحولنا فيه من مشاهدين عاديين إلى عشاق؟ ولمن سنرفع صراخ الحماسة والمتعة ودبابيس الدم بعدما وجدنا فيه بطلنا المنشود وأجج فينا عطش الحاجة إلى: بطل.. بطل نصفق له وندعو له بالنصر ونخاف عليه وعلى أملنا فيه، من الانكسار؟ يا مارادونا، يا مارادونا، ماذا فعلت بالساعة؟ ماذا صنعت بالمواعيد". انتهى درويش من حروفه ولكن لم ينتهي شغفه وتولعه بالتأكيد حيث كان دائما ما يردد أن كرة القدم أشرف الحروب". ربما لم نجد أبلغ من وصف الروائي المصري خيري شلبي الذي أطلق عليها وصف "سيمفونية الفقراء"، أما هنا فالبعض أعرض عن إعلان ميوله خوفاً من فقدان شعبيته.. فيما يرى البعض الآخر أنها حرية شخصية وأن المتلقي أصبح أكثر وعياً ودراية وسيتقبل شخصيته كشاعر بعيداً عن التكلف والتصنع ليصبح في نظر الجماهير شاعراً صادقاً بلا خفايا ولا تزييف أو خوف. الشعراء اليوم أصبحوا الأكثر محبةً للرياضة والرياضيين ولكرة القدم بالتحديد بل وأصبحت جماهير الأندية تستشهد بأبياتهم الجميلة.. فبعض الجماهير العاطفية ربما تعجز عن وصف محبتها لأنديتها فتذهب للشعراء المتيمين لكي تجد من يعبر عن مشاعرها وبما أننا على موعد تاريخي مع لقاء الكبار الهلال، والاتحاد مساء اليوم لتردد الجماهير الطروبة مع كلمات الأمير خالد بن يزيد رحمه الله "ليلة لقانا.. موعد الساعة ثمان". لذلك اخترنا لكم شخصيتين جميلتين نثرا الجمال بيننا وكان لهما بصمات شعرية ورياضية أنيقة كنقاء مفرداتهما. فعلى ضفاف البحر الأحمر لا يمكن لأي متابع أن يتجاهل قيمة حجازية كبيرة مثل الأديب عبدالعزيز النجيمي الذي قدم لمعشوقه الاتحاد أكثر من "200" نص شعري لأكثر من خمسين عاماً عشق فيها هذا النادي الذهبي الأصيل، الطريف بالموضوع أنني عندما اتجهت إلى العم عبدالعزيز ابتسم وهو يداري مرضه حيث أجرى عملية في القلب قبل أيام قليلة "شافاه الله" فقال بجداويته الحنونة: "أنا أمرض مع الاتحاد وبإذن الله راح أطيب وكمان راح يطيب معايا الاتحاد". يقول "شاعر الاتحاد": فما استعصى علينا الكأس يوماً ولا الدوري لنا صعب المنالِ فبورك ل جماهير تفانت في حب الاتحاد المونديالي. شاعرنا قدم شكره لكل جماهير العميد وذكر بأنه يتألم لألمهم وأكد قلقه من الوضع الحاصل داخل أسوار محبوبه مردداً: إن الأمورَ تسير بعكس ما نهوى.. وضع العميد بحقٍ يبعثُ القلقا.. وتحدث النجيمي بالكثير من الحنين والوفاء عن ذكرياته الجميلة عندما كان لاعباً في أشبال الاتحاد برفقة سعيد غراب وبقية النجوم وكم يحن لتلك الليالي الخوالي. شاعرنا بادر بالقول إن لاعبي فريقه الحاليين لا يرتقون إلى مستوى طموحاته فنياً ولكنه لا يشكك أبداً في ولائهم للعميد وفي محاولتهم الحثيثة من الخروج من مأزق الهبوط وأنه سيبقى داعماً لهم بالكلمة والدعاء، أما عن الكلاسيكو فأبدى النجيمي تخوفه من تواجد مهاجم الهلال الفرنسي غوميز مبدئياً إعجابه في حماسته واستمراريته في التسجيل. وأضاف النجيمي "للاتحاد مواقف عظيمة أمام الأندية الكبيرة وهو أحدها ولا يمكن أن يخسر بسهولة وأتوقع نهايتها بالتعادل الإيجابي". وعندما استأذنته بالرحيل رغم استمتاعي بكل ما يقول ولكني لم أكن أُريد إجهاده بحكم أن وضعه الصحي الحالي لا يسمح فاجئني بإرسال رسالة عفوية جميلة جداً في توقيتها إلى ناديه الاتحاد وهي كلماته الشهيرة: إلا الشديد القوي.. يردني عنك. وهناك من جبال الجنوب الشاهقة اختار شاعرنا المتجدد "سعيد بن مانع" محبة الهلال لأنه اعتاد على معانقة السحاب ولا يرضى بما دونها. فاختار الهلال لأنه متيمٌ بالجمال.. ومن منا لا يعرف إبداعات هذا الشاعر الذي أكد من خلال ما قدمه بأنه سابقٌ لعصره متجاوزاً جيلاً كاملاً من أقرانه، لاحظت كمتابع بأن جميع الشعراء الهلاليين دائما ما يرتكزون في أبياتهم على الأرقام والمنجزات إلا أن ابن مانع كان مختلفاً باعتماده على عاطفته الجياشة المرهفة أليس هو القائل:"حب الصغر عن كل الأحباب يفرق". اختصر الكثير من مشاعر الحُب والهيام التي تسكن قلوب قبيلة أبناء بني هلال يقول بن مانع: "كان والدي شبابياً وأقاربي من الدائرة المحيطة بي نصراويون ولكني اخترت الهلال بنفسي وأشعر بأنني أحسنت الاختيار واليوم أحمد الله على هذا الاختيار، والدي عطوف جداً لدرجة أنه كان يأخذني للملعب لمباريات الهلال وهو لا يهتم لأمر الهلال حتى "يُرضي خاطري". أما عن أول مباراة تواجد بها في الملعب: "هي مباراة الهلال والترجي التونسي على إستاد الملك فهد الدولي في البطولة العربية عام 1416ه"، ويؤكد بأنه لا يزال يتذكر هدف الكابتن يوسف الثنيان الذي أحرز به الهلال البطولة بليلةٍ قمريةٍ زرقاء بقيت راسخة بمخيلة هذا السعيد. وعن أقرب الأهداف إلى قلبه يقول شاعرنا: "هدف الكابتن سامي الجابر في الشباب نهائي الدوري 1418ه وهدف التعادل في نهائي آسيا من البرازيلي سيرجيو ريكادو في شباك جوبيلو الياباني هي الأقرب"، ومن خلال هذه الأجابة نستنتج وندرك بأن سعيد بن مانع دائماً ما يعشق الصعاب ويتلذذ بتجاوزها. قال يوماً ما: "تكلم عن خزينة سته وخمسين بعيداً عن كلام لهجة الإعلام لو يقفل زعيم القرن عشر سنين فتح ناديه والأرقام هي الأرقام" وعن توقعه للكلاسيكو المرتقب أكد ابن مانع احترامه للاتحاد، ولكن توقعاته ذهبت إلى تحقيق هلاله الانتصار برباعية زرقاء مبدياً تفاؤله باللعب أمام الاتحاد خصوصاً وأنه كسب التحدي في نهائي السوبر اللندني الماضي عندما أكد في مقطع فيديو قبيل المباراة أن الهلال سينتصر بنتيجة 2-1 وهذا ما حدث بالفعل. النجيمي ابن مانع