تتميز العلاقات السعودية الهندية بأسس قوية من خلال صداقة متينة ترفدها مصالح مشتركة، حيث تمتد العلاقات الوثيقة بين البلدين لأكثر من 70 عاماً، حتى أصبحت بمثابة "شراكة استراتيجية" في زمن التحالفات الكبرى، فالمملكة والهند تمتلكان حضارة تنموية شاملة، تميزت على مدار سنوات طويلة وأدت أدوارا استراتيجية مهمة ومحورية في دعم الاستقرار الدولي، وانطلقت هذه العلاقة الوثيقة العام 1948 وذلك بعد عام واحد من استقلال الهند، وأكدت دراسات وبحوث منشورة بأن أول من وضع اللبنة الأساسية للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله، حيث كانت أول زيارة رسمية يقوم بها إلى العاصمة الهندية "نيودلهي"، وذلك عندما كان ولياً للعهد ورئيسا للوزراء ووزيرا للخارجية في عهد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه-، وكان ذلك ردا من المملكة العربية السعودية على ما أبدته الهند بقيادة رئيس وزرائها آنذاك جواهر لال نهرو من مواقف إيجابية تجاه قيام الملك عبدالعزيز بتوحيد البلاد وتأسيس المملكة العربية السعودية في 1932، وبعد وقت قصير من ذلك قام الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- بزيارة إلى الهند، مثلت أول زيارة على مستوى ملكي، وخلال تلك الزيارة التاريخية سافر الملك سعود إلى عدد من المدن الهندية، وعندما زار نهرو المملكة العام 1956 لقي استقبالا حارا، وألقى خطابا أمام تجمع شعبي في ملعب لكرة القدم في جدة وهو امتياز لم يمنح لأي زعيم زائر. أما على المستوى الاقتصادي بين البلدين فالمملكة تعد أحد أكبر الشركاء التجاريين للهند، فهي رابع أكبر شريك تجاري ل "نيودلهي" بعد الصين، والولايات المتحدة، الإمارات، حيث تستورد الهند نحو 19 في المئة من الزيت الخام من المملكة، وقد سجلت التجارة الثنائية نمواً لا مثيل له في السنوات الأخيرة، ومنذ العام 2008 أصبحت السعودية الشريك التجاري الرابع للهند، فيما باتت الهند أكبر مصدر للملكة بنسبة 12.4 % من إجمالي الواردات السعودية، ففي دراسة نشرتها الغرفة التجارية في المنطقة الشرقية العام 2016م حسب الهيئة العامة للإحصاء أهم صادرات المملكة إلى الهند زيوت نفط خام ومنتجاتها، نشادر لا مائي، بولي إيثيلين عالي الكثافة، هيدروكربونات دورية "ستيرين"، بولي إيثيلين منخفض الكثافة، فيما أهم واردات المملكة من الهند، أرز، منتجات حديد نقي، هيدروكربونات دورية "بنزين"، كما أن المملكة تعد المزود الأول للنفط للهند. وفي نفس السياق تنامى وجود الجالية الهندية في المملكة بشكل كبير بعد أن تواجد أكثر من مليوني هندي يقيمون في المملكة من بعد العام 1435ه، وهي أكبر جالية هندية في الخارج، فلم تكن فقط "أيدٍ عاملة" بل تحولت إلى شركات ومؤسسات هندية تتعاون مع الشركات الوطنية وتتنافس مع كبريات الشركات العالمية في تقديم الخدمات الهندسية والاستشارية، بما في ذلك نحو 500 مشروع مشترك حسب ما هو مؤكد في تصريحات سابقة، معظمها مشروعات في قطاعي الطاقة والبتروكيميائيات. أما من الجانب الثقافي فتعد الهند ثاني أكبر عدد من السكان المسلمين في بلد واحد على مستوى العالم بعد إندونيسيا، ويزور المملكة لأداء مناسك الحج أكثر من 170 ألف هندي سنوياً، وقد سبق أن شاركت في مهرجان الجنادرية في العاصمة الرياض كضيف شرف، وذلك لتبادل الثقافات بين البلدين. وتعد العلاقات بين البلدين فريدة من نوعها وذلك عندما قررت الرياض مضاعفة مبيعاتها من النفط إلى الهند وذلك عندما توقف شركات هندية من استيراد الخام الإيراني، كما حظيت شركة "لارسن آند توربو" الهندية العملاقة باختيار شركة أرامكو لها لتنفيذ مشروعات بنحو 300 مليون دولار في المملكة، كما أن ثلاث شركات هندية تتولى مشروعات كبرى في المملكة. وتواصل نمو العلاقات واضطرادها بين البلدين منذ العام 2000 حتى زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- التاريخية في يناير 2006م، التي شهدت تحولا كبيرا خاصة في مجالات التعاون لمكافحة الإرهاب وتأمين مصادر الطاقة للهند، وتعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري والتقني بين البلدين، وقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله - بزيارة تاريخية إلى نيودلهي العام 2014، وتم خلالها توقيع اتفاقيات أسست لمرحلة جديدة بين البلدين الشقيقين ودفعت لتعاون مشترك عالي المستوى لمواجهة التحديات والإرهاب لما تملكه المملكة من خبرة في مواجهة الإرهاب بكافة أنواعه، وعلى ذلك يرى مراقبون سياسيون بأن زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع للهند ستفتح آفاقا جديدة للتعاون المشترك بين البلدين الشقيقين تتجاوز المراحل التجارية، وستكون ذات تعاون أمني واستراتيجي يخدم البلدين، وخاصة بأن ولي العهد يقود رؤية المملكة 2030 وذلك لبناء اقتصاد وطني قوي ومتين، إضافة إلى حماية العالم من الإرهاب والدول الداعمة له. صورة أرشيفية للقاء الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- مع رئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي خلال القمة الاقتصادية بالمكسيك في أكتوبر العام 1981