في أبريل 2015 تمكنت من تحقيق حلمي بزيارة روسيا ضمن رحلة طويلة شملت أيضاً الدول الإسكندنافية في شمال أوروبا.. وأقول "تمكنت" لأنني واجهت حينها عقبات إجرائية كثيرة (ورثتها روسيا من الاتحاد السوفييتي السابق) تقف عقبة أمام معظم السياح.. فتأشيرة الدخول مثلاً كانت تتضمن اشتراطات شبه مستحيلة أهمها وجود دعوة مسبقة لزيارة البلد.. كما كانت هناك شروط تتعلق بالحجوزات وطريقة الدخول والخروج وكمية الأموال التي يحملها السائح، وهذا غير قلة عدد الفنادق التي تسببت بها عقود من الانغلاق السياحي زمن الحكم الماركسي.. لم تنفتح روسيا إلا بعد كأس العالم الأخيرة (2018) حين رافق منتخبنا الوطني أعداد هائلة من المشجعين لم يعانوا ما عانيته قبل ثلاث سنوات فقط. ورغم أن جولتي شملت حينها سانت بطرسبرغ وأربع بلدات صغيرة (بالإضافة إلى رحلة طويلة في نهر الفولغا) سأكتفي اليوم بالحديث عن موسكو التي أستعد لزيارتها للمرة الثانية.. فزيارة روسيا لا تكتمل دون زيارة هذه المدينة التي كانت تشكل محور الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية زمن الحرب الباردة.. ماتزال مركز الثقل السياسي والثقافي والتعليمي والاقتصادي في روسيا، وسابع أكبر مدينة في العالم بعشرة ملايين نسمة. بنتها القبائل السلافية في القرن العاشر ميلادية على ضفتي نهر موسكوفا (الذي اشتقت منه اسمها).. وفي بداية القرن الثالث عشر أحرقها التتار وظلت تحت سيطرتهم فترة طويلة قبل أن تعود للروس العام 1480 (حين انتصر إيفان الثالث على التتار الذين تحولوا للإسلام). ورغم أنها تعرضت بعد ذلك لغزوات التتار والبولنديين والسويديين والفرنسيين (وحاصرتها جيوش هتلر في أربعينات القرن الماضي) ظلت رمزاً وطنياً للأمة الروسية وأعلنت في العام 1918 عاصمة للاتحاد السوفييتي العظيم. والحقيقة أنك حين تصل إلى موسكو لا تستطيع تجاهل وجود ستالين في كل مكان من خلال تماثيله ومبانيه وساحاته وقبره.. استلم زمام الأمور بعد وفاة قائد الثورة البلشفية لينين العام 1924 وأصبح زعيماً مطلق الصلاحية حتى وفاته العام 1953.. قبل تسلمه السلطة كانت روسيا بلداً زراعياً فقيراً، وعند وفاته كانت بلداً صناعياً عظيماً هزم هتلر واحتل شرق أوروبا وصعد إلى الفضاء وامتلك صواريخ عابرة للقارات. وبالإضافة إلى الطابع الستاليني للمدينة، لا يمكنك زيارة موسكو دون المرور بالميدان الأحمر الذي يضم معظم المعالم النمطية للدولة الروسية.. ففي هذا الميدان الذي تغلب على مبانيه الصلصال الأحمر توجد قلعة الكريملن (مقر الدولة) وساحة النصر (حيث يستعرض الروس صواريخهم النووية) وقبر ستالين (الذي تحول لقبلة شيوعية) وسوق كيتاي جورود (الذي يعد في نظري الأجمل في العالم قاطبة). بقي أن أشير إلى نقطة مهمة وهي؛ أن موسكو تمثل بامتياز الحقبة السياسية للاتحاد السوفييتي، ولكن سانت بطرسبرغ هي المدينة التي تمثل تراث وفنون الأمة الروسية - ونالت إعجابي أكثر من مدينة السوفييت العظيمة.