تعد منطقة جازان من أثرى مناطق المملكة بالتراث والآثار ذات العمق الحضاري والتنوع الثقافي، التي تعود لآلاف السنين، ومن بينها القلاع والمساجد الأثرية، وأشهرها مدينة «عثَر» التي كانت سوقا في الجاهلية وأشهر عواصم المخلاف السليماني في القرن الرابع الهجري، وأحد أشهر أسواق العرب. كذلك «قلعة دار النصر» وقلعة «الدوسرية» داخل مدينة جازان والقلعة العثمانية وقلعة «الحمى» و»بيت الرفاعي» بفرسان، وقلعة «قيار» بالداير بني مالك، وقلعة «لقمان» و»الأدارسة» في صبيا، وبيت الجرمل ومسجد القباب ومسجد حيدر النعمي ومسجد النجدي وغيرها من المواقع الأثرية. ومن الملاحظ أن كل هذه المباني والقلاع التاريخية التي تعود إلى العصور القديمة قد طالها الخراب والدمار. وغالبا ما تعنى المتاحف التراثية بحفظ كنوز التراث والآثار ونشر ثقافته للأجيال، إلا أنه لا يوجد في منطقة جازان إلا متحف وحيد بمحافظة صبيا، إلا أنه بوضعه الحالي لا يؤدي الدور المنوط به. «صناعة السياحة» وقال الباحث والمهتم بالتراث والآثار يحيى شريف المالكي: تمتاز منطقة جازان بتنوع بيئاتها الطبيعية؛ لذا كانت موطنا مناسبا للاستقرار منذ العصور التاريخية الأولى، وتقاطعت علاقة الإنسان بالبيئة على مر الحضارات، وبقيت معالمها شاهدة فوق قمم الجبال وفي بطون الأودية وامتداد السهول وطول الشواطئ وفي الجزر؛ لتحكي قصة حضارات سادت وتداخلت على مر العصور، مكونة زخما من العلوم والفنون والصناعات والأدوات والعمارات، ما جعلها حاضنا أمينا لثقافة مليئة بالقيم والعطاء، نجدها في ثقافة وسلوك أبناء هذه المنطقة وحياتهم. وأكد المالكي ضياع كثير من المخزون الأثري للمنطقة من نقوش ومخطوطات وحلي ومسكوكات وملبوسات وأسلحة وأدوات وأبنية بين هدم ونقل وتشويه، مشددا على الحاجة الملحة إلى حفظ هذه الآثار والعناية بها، وتقديم الدراسات المتخصصة عنها، وإيجاد متحف بجودة عالية، يحفظ هذه الموجودات مع دعم ورعاية المتاحف الخاصة التي أنشأها بعض المواطنين من المهتمين بالتراث والآثار، إضافة إلى إيجاد المعارض والمهرجانات للتعريف بها، ولتكون رافدا مهما لصناعة السياحة في منطقة تعتبرها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الأغنى بين مناطق المملكة في الموارد الطبيعية والسياحية. ولفت إلى أنه مع غنى وتنوع الآثار في منطقة جازان، إلا أن مجالين يشكلان تميزا في التراث الجازاني على مستوى الوطن بأكمله، قد أوشكا على الاندثار، وهما الآن في أمس الحاجة إلى الحفاظ عليهما: أولهما التراث العمراني الذي تتميز به المحافظات الجبلية، ولا سيما محافظة الداير بني مالك من مبانٍ حجرية فائقة الروعة والجمال، تتربع على قمم شاهقة، تجمع بين الاستعمالين السكني والعسكري، وترتفع لأكثر من عشرة أدوار ضمن حصون تحوي عددا من المباني المربعة والأبراج المدورة بدقة معمارية وتصاميم هندسية مدهشة، تضرب في أعماق التاريخ لآلاف السنين، مؤكدا أنه رغم صمودها في وجه الطبيعة إلا أن المؤثرات البشرية من مشروعات الطرق والتوسع العمراني باتت تهدد وجودها، وتنذر بفقدان تراث مهم يجب أن يكون على لائحة التراث العالمي، أما المجال الآخر فهو الفن الذي تشتهر به المنطقة عامة من ألحان وطرب وأدوات وحركات راقصة تشكل ثراءً تراثيا بدأت ألوانه في الضياع بما تحويه من مئات الألحان والحركات المتنوعة، مشيرا إلى أنه مما أسهم في بدء تلاشي هذه الفنون عدم استيعاب الأجيال الحالية لها وانشغالهم بالجديد، وبالتالي عدم نقلها إلى الأجيال اللاحقة. وقال لو قامت جمعية الثقافة والفنون بتسجيلها وتنظيم مهرجانات لها والحفاظ عليها لحفظت تراثا إنسانيا تراكم عبر العصور، ولقدمت للمنطقة رافدا فلكلوريا يدعم السياحة ويميزها. وقال: نأمل مزيدا من الجهود وتوجيه جامعة جازان والباحثين ورجال الأعمال والمستثمرين نحو صناعة احترافية للسياحة الوطنية في البيئة الجازانية ذات الماضي العريق والمستقبل المشرق، ولتكن لبنة في بناء الاقتصاد الوطني ورؤية المملكة 2030. «خطط ودعم» وأوضح مدير عام فرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في جازان م. عبده مناجي، أن متحف جازان للآثار والتراث ضمن المتاحف التي تستهدفها مبادرة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في برنامج التحول الوطني 2020 بالترميم والتطوير، وأن مشروعه طرح في منافسة عامة، وتمت ترسيته على إحدى المؤسسات الوطنية المتميزة في هذا المجال، وعن تصميمه المستقبلي قال: سيحوي قاعات بطرق عرض متحفية حديثة، تقدم القطع الأثرية وقطع التراث الشعبي في المنطقة بطريقة تعكس وتبرز أهميتها، وعلى عدد من المكاتب الإدارية والخدمات المساندة، وسيمتد العمل أيضا للمنطقة المحيطة بمبنى المتحف. وأضاف: تعتزم الهيئة إنشاء متحف جازان الإقليمي على الكورنيش الشمالي في مدينة جازان على مساحة 16.909.01 متر مربع، يسهم في ربط تاريخ جازان القديم والحديث ببيئة مثالية لسياح المنطقة، لافتا إلى أن المتحف سيحوي عناصر وآثارا نادرة تصل إلى حقبات ما قبل التاريخ، ومعارض يختص كل واحد منها بعرض حقبة زمنية محددة، وذكر أن التصميم العام للمتحف مستوحى من الثقافة العمرانية لمنطقة جازان، وسيخرج بقالب حديث وعصري يمثل هوية المكان، مشيرا إلى أنه ستتم خلال الفترة المقبلة ترسية المشروع وتسليم الموقع للمقاول للبدء في التنفيذ. وعن العناية بالمواقع الأثرية القائمة حاليا في منطقة جازان قال: تقوم الهيئة مع أمانة المنطقة بالعمل على مشروع تطوير محيط قلعة الدوسرية، وسيكون موقع المشروع بعد الانتهاء من تنفيذه أحد أهم مواقع الجذب على المسار السياحي، كما تعمل الهيئة مع فرع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد على ترميم وتأهيل مسجد التابوت التاريخي بفرسان ضمن المرحلة الأولى لمشروع محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، مضيفا أن مبادرة تطوير جزر فرسان تضمنت تأهيل عدد من المواقع كقرية «القصار» التراثية وموقع قرية «السقيد» ومنطقة «وسط فرسان» التاريخية، وأطلق برنامج خادم الحرمين للعناية بالتراث الحضاري عددا من المشروعات في المنطقة لتطوير كل من قلعة «المطار» في مدينة جازان والقلعة «العثمانية» بجزيرة فرسان وموقع «بيوت الأدارسة التاريخي» بصبيا وقرية « قيار» بالداير بني مالك، بالإضافة إلى الدراسات التأهيلية والتطويرية لمواقع التراث العمراني بجزيرة فرسان وقلعة «دار النصر» بأبي عريش واستمرار البعثات السعودية الأجنبية للتنقيب في عدد من المواقع الأثرية المهمة، مؤكدا أن الهيئة تعمل على تحفيز المجتمعات المحلية للحفاظ على مبانيها وقراها التراثية وتطويرها، من خلال تقديم الدعم الفني لهم، وذكر أن هذا الدعم قد أسهم في تحفيز ملاك قرية «القمرة» الأثرية في محافظة الداير لترميم قريتهم على نفقتهم الخاصة بعد انتهاء الهيئة من تقديم الدراسات والمخططات، وختم حديثه بالقول: تشجع الهيئة المهتمين بجمع القطع الأثرية والتراثية لإقامة متاحفهم الخاصة، والحصول على التراخيص اللازمة، موضحا أنه بلغ عدد المتاحف الخاصة المرخصة في المنطقة ثمانية متاحف، ويجري حاليا استكمال ترخيص عدد مماثل لتلك المتاحف.