الجنادرية، اسم لم يعد شائعاً على المستوى المحلّي فحسب، بل أصبح موطناً لحدث ثقافي دولي، حتى إنه تجاوز الاسم الفعلي "المهرجان الوطني للتراث والثقافة" ليشكّل رمزية إلى التراث السعودي، فعلى مدى أكثر من 38 عاماً يحضر تراث المملكة بمختلف أنواعه في وقت واحد، وأصبح يشاركه تراث دولي تستضيفه المملكة سنوياً، ولهذا تعتبر الجنادرية بوابة التراث الوطني ووسيلة العرض والتعريف. منذ فترة طويلة كانت الأصوات تنادي إلى استثمار مهرجان الجنادرية كوجهة اقتصادية سياحية، ومع الرؤية الوطنية الحديثة التي يقودها سمو ولي العهد للأخذ بهذا المهرجان ليكون في مستوى الأحداث الثقافية الدولية التي تقام بشكل سنوي على مدى سنوات طويلة، حتى أصبحت حدثاً يترقبه السكان المحليون والدوليون، ويسوق له وفق خطة تسويق استثمارية جاذبة، ولهذا يمكن تطبيق أفضل التجارب الدولية على خطة تغيير تبدأ بشكل تدريجي، وتقاس فاعلية التغيير في كل نهاية مهرجان. ومن هنا فإن الصناعات الثقافية الإبداعية هي بوابة التغيير لتطوير الجنادرية وتحويلها إلى مورد ثقافي اقتصادي دائم، يدعم نجاح التحويل موقع المهرجان وارتباطه بعدد من الخصائص الثقافية التي ستنقل الحركة من وسط المدينة إلى الجنادرية، العديد من المباني المهيأة لسكن المشاركين تصبح فارغة طوال العام، وكذلك مواقع المعروضات والمنتجات، بالإضافة إلى منصات الجهات الحكومية التي تعتبر متاحف تفاعلية، لذلك آن الأوان إلى أن تكون هذه المباني عامل جذب للزوار والسكان المحليين، من خلال تحويلها إلى قرية ريفية تكون فعاليتها مجدولة تغطي جميع المناطق، تستثمر المباني كفنادق اقتصادية على غرار الفنادق الاقتصادي الشهيرة، وتفعيل الجانب التعليمي التطبيقي في ممارسة بعض عناصر التراث، فالقرى الريفية على مستوى العالم تعتبر عنصراً سياحياً فاعلاً في التنمية المحلية كجزء من صناعة الثقافة، والتعريف بالموروث المحلّي. الصناعات الثقافية والإبداعية رغم جهود بعض الجهات المعنية، إلا أنها لم تأخذ مكانها الطبيعي حتى الآن، والمملكة غنية بهذا الجانب المهم متى ما تم تنظيمه وتقديمه إلى الواجهة، حكومة المملكة تدعم قطاع الثقافة بشكل فريد كالدول التي تولي الثقافة والتراث والصناعات الإبداعية أهمية عالية، وتدعمها بشكل مستمر وبما يسوّق الثقافة إلى الزائر الأجنبي لما تحتويه المملكة من إرث ثقافي استثنائي، واللغة التي كرم الله بها المسلمين التي انطلقت منها، وعلى سبيل الاستشهاد في القوة الاقتصادية الناعمة للصناعات الثقافية الإبداعية، فقد أولت بريطانيا هذا الجانب اهتماماً كبيراً بعد أزمة قطاع التصنيع في تسعينات القرن الماضي، ونجحت في استثماره وخلق فرص وظيفية ساهمت في خفض نسبة البطالة، حتى أصبحت الآن تخصص له ميزانية تطوير، وكذلك ألمانيا، التي رغم الجودة الصناعية لماركات ألمانية دولية، جعلت من الصناعات الثقافية الإبداعية باباً اقتصادياً تجاوزت فيه الصناعات الكيميائية وصناعة القطارات، ومؤخراً في بداية الألفية الجديدة، وضعت الصين خطة نهضة الصناعات الثقافية، وهي الدولة التي ينمو اقتصادها الصناعي بشكل متسارع. الجنادرية كنز ثمين يتنفس في كل عام مرة واحدة، وآن الأوان لأن تكون روحاً نابضة ترافقها علامة تجارية خاصة، تحملها جميع منتجات الجنادرية، وتكون نافذة تسويق دولية. الهيئة العامة للثقافة، الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وهيئة الترفيه، والحرس الوطني، جميعها معنية الآن بالمضي قدماً في احتواء روح المهرجان، إلى أن تكون له جهة حاضنة، فقد قدم الحرس الوطني مشكوراً مهمته على مدى أكثر من 38 عاماً، وهو جهد يستحق الوقوف له احتراماً، إلا أن المرحلة الحالية، مرحلة مغايرة لفكرة المهرجان وتطلعات كل مواطن، نترقب مستقبلاً للصناعات الثقافية الإبداعية السعودية من خلال بوابة التراث السعودي "الجنادرية".