حفيدي.. حفيدتي.. أحفادي قررت أن أكتب لكم بما رجوتكم به تكراراً، وهو أن تكون زيارتكم لي.. فرصة نتكلم فيها، لا أن تختلوا بهواتفكم الذكية التي أكاد أجزم أنها لا تفارقكم. لماذا أكتب؟ رغم معرفتي بأنكم تضيقون بأي نصيحة تمس ارتباطكم بأجهزتكم الإلكترونية، وبأي توجيه أو تعليق حيال الوقت الذي تقضونه بصحبتها حتى وأنتم في زيارة أسرية. وبالطبع لا تودون سماع تحذيرات المختصين من احتمالات التعود الذي يتحوّل بسهولة إلى إدمان. لماذا أكتب؟ أكتب لأن الكلمة المكتوبة لن تضيع في الهواء كما يضيع الكلام، ستجدون صورة منها في أوراقي، قد تعودون لقراءتها بعد رحيلي؛ في حال إن لم تهتموا بقراءة الرسالة التي سأرسل صورة منها لكلٍ منكم، باللغتين العربية واللغة الإنجليزية التي تتقنونها وتفهمونها. فخوفي أنكم لا تقرؤون العربية في مدارسكم بالقدر الذي يؤهلكم للتعامل والتواصل بها، بل سمعت أن جيلكم اخترع لغةَ تواصل بينكم هجيناً من العربية والإنجليزية معاً. بداية أؤكد لكم أني لست ضد وسائل التواصل والتعلم الحديثة التي تعتمد على الأجهزة الإلكترونية، ولكني لست مع أن تصبح هي الرابط بينكم وبين الحياة، ولست مع أن تتحول علاقاتكم مع الناس إلى علاقات بين الأجهزة وليست بين البشر. نعم أنا رجل كبير في السن، وقد تعدّونني متخلفاً لعدم اهتمامي باقتناء أجهزة حديثة فاخرة مثل أجهزتكم، ليس لعجز ولكنه قرار واختيار. نعم كبرت في السن وكبرت معي خبرتي في الحياة، بجانب حصيلة تعليمي العالي وتجاربي العملية. وكبر معي تطلعي أن يجد أحفادي في خبرتي الحياتية ما يفيدهم. كبر معي الحلم بأنه ذات يوم سيلتف حولي أحفادي يسألون ويستفسرون.. أقصّ عليهم مواقف من الحياة وكيف تصرفتُ فيها، ويخبروني بما يمرّ عليهم من مواقف تُحيرهم. صدقوني، لست مُخرفاً، وأعرف أن حياة جيلي تختلف عن حياة جيلكم، وأفهم لماذا يصعب عليّ فهم طريقة حياتكم، وأن كلّ ما يهمكم أن تُتركوا وشأنكم مع حياتكم الإلكترونية ومع أصدقائكم الإلكترونيين. ما مشكلتي إذن؟ مشكلتي أنني وأنتم في حاجة إلى إنسانيتكم.. وأخاف عليكم تحوّلكم عنها.