قادت المملكة حملة مكافحة الفساد تردد صداها شرقاً وغرباً، وحرصاً من القيادة الحكيمة على مواجهة خطورة آفة الفساد وتأثيراتها المدمرة على الاقتصاد، بما يسببه من هدر للمصروفات، وتآكل للناتج المحلي، سنت القوانين الرادعة لمختلف ممارسات الرشوة، والمحسوبية في الإدارات العامة للدولة، وعدم استثناء كبار المسؤولين، والفصل في قضايا التملك غير المشروع، ومواجهة التعسف في استخدام السلطة، والتي سارت بالتوازي مع توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- بمنح مسؤولي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» صلاحيات واسعة، وتوجيهه لهم أيضاً بحماية المبلغين عن الفساد من أي ضغوط، وحفظ حقوقهم، واستطاعت المملكة العربية السعودية من وراء نموذجها الفريد في مكافحة الفساد تحقيق العديد من المكاسب القومية التي لم تتوقف فقط عند حد العوائد المالية المليارية، لكنها امتدت لتشمل رفع معدلات النمو والتدفقات والسيولة المالية، إضافة إلى إثبات استقلالية القضاء السعودي، وجدية القيادة في تحقيق الريادة الدولية. ودوت الحملة التي قادها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في الأوساط العربية، ولن ننسى مقولته: «لن ينجو أي شخص تورط في قضية فساد سواء كان أميرًا أم وزيرًا، ومن تثبت عليه الأدلة الكافية سيحاسب»، وتبنت الإمارات ومصر التجربة السعودية وبدأت استراتيجية مماثلة في معاقبة أباطرة الفساد، كما سارت البحرين على نفس النهج، إضافة إلى ثناء اقتصاديين وسياسيين عرب في لبنان ومصر، وبمختلف وسائل الإعلام العربية على الحملة السعودية، ونادوا بتطبيقها عربياً، من أجل اجتثاث آفة الفساد من جسد المنطقة، وتوفير تريليونات الدولارات للشعوب العربية بحسب تقديرات مراقبين اقتصاديين. ودون شك يظل سرطان الفساد المسؤول الأول عن إضعاف جهود التنمية بالدول العربية، فتشير تقديرات الأممالمتحدة إلى أنه يضيف 10 بالمئة رسماً إضافياً على تكلفة أداء الأعمال، ويصيب مختلف المستويات والمؤسسات الحكومية، ويربك الاستثمارات الخارجية، ويشجع الإرهاب والجريمة، وقد أكد النموذج السعودي في مكافحة الفساد وجود إرادة سياسية قوية، وسياسة حزم وعزم بناها الأمير محمد بن سلمان بصفته المشرف على الحملة على أربع قواعد متينة تمثلت في: «استقلالية القضاء، وسن القوانين الرادعة، والتنفيذ الفوري الفعال، وتعزيز ثقافة: لا تسامح مع المفسدين لتترسخ بذهن وحياة الشعب»؛ مما جعلها محط أنظار العرب في وقت تمت خلاله محاكمة وزراء ومسؤولين سعوديين كبار في سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط. ومن هذا المنطلق، أصبحت التجربة السعودية أفضل النماذج أمام الشعوب العربية وحاجتها للبدء في خطى مماثلة من أجل عملية الإصلاح وانتشال الوضع العربي من كوارث النزف والهدر الاقتصادي، لكن في نفس ذات الوقت يبقى عليها الجانب الأصعب في إرادة التنفيذ، من أجل توفير مليارات الدولارات لكل دولة تعاني من انتشار آفة الفساد، وباتت شعوب المنطقة تحمل آمالاً عريضة في أن تأذن التجربة السعودية ببدء عهد عربي جديد، يتوارى خلاله المفسدون خوفاً وخزياً، وتتفتح سبل تحويل الدول العربية إلى «أوروبا الجديدة».