سياسة حزم وعزم واستشراف للمستقبل، وعلاقات خارجية قائمة على التوازن والندية، وتنمية اقتصادية مستدامة، وبناء للإنسان، وشفافية في اتخاذ القرارات.. هذه ملامح #السعودية_الجديدة التي ظهرت في حديث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع مع وكالة "بلومبيرغ"، الذي انتشرت أصداؤه بمختلف وسائل الإعلام شرقا وغربا؛ حيث جاء فحواه ليؤكد أنه لا شيء سيوقف المملكة في المضي قدما نحو صناعة المجد السعودي والعربي. وتثبت تصريحات سمو ولي العهد أن "السعودية الجديدة" لا تعتبر العلاقات مع الولاياتالمتحدة هي منتهى الآمال بل تعمل على التوازن مع جميع القوى الكبرى، وأنها أيضا قادرة على تجاوز الصعاب، والعمل على حل مختلف الاضطرابات التي ضربت المنطقة العربية سياسيا وعسكريا واقتصاديا، إضافة إلى قدراتها اللامحدودة في تسخير الثورة التكنولوجية لخدمة الاقتصاد السعودي والتنمية المستدامة. عروبة جديدة ولعل ميلاد السعودية الجديدة التي تجسدت في حوار سمو ولي العهد، قد بدأ مع استشعار ضرورة عدم الاعتماد على البترول كمصدر أساسي للدخل السعودي، وأيضا المتابعة الجيدة لأحوال العالم العربي خلال الفترة الماضية، والتي رافقتها سياسة سعودية استطاعت خلق "عروبة جديدة" أدرجت معها العديد من دول المنطقة حول توافق عربي أسهم في تجاوز الأزمات الاقتصادية التي ضربت المنطقة، وإطفاء نار الحروب التي اشتعلت في سورية والعراق واليمن وليبيا، والعمل على حل القضية الفلسطينية ورفض المساومة على أرض فلسطين، والتصدي لداعمي الإرهاب والتدخلات الإيرانية. التجربة السعودية وتؤكد تصريحات الأمير محمد بن سلمان ل"بلومبيرغ" أن التجربة السعودية الجديدة التي شغلت أذهان العرب خلال السنوات الثلاث الماضية، وأتت بظلالها على الواقع العربي، في وقت حاول خلاله البعض التشكيك في تنفيذها، ومحاولة عرقلتها مع كل انتصار لخطواتها، تقوم على 4 محاور أساسية هي "سياسة الحزم، ومكافحة الفساد، والتنمية الاقتصادية، وتوازن العلاقات الدولية". سياسة الحزم تحدث الأمير محمد بن سلمان ل"بلومبيرغ" عن الحزم السعودي، وهو الأمر ذاته الذي بدأ حين استشعرت المملكة الخطر المحدق بالمنطقة، فتوجهت لبناء قدراتها العسكرية وتدعيم وموازنة جهودها السياسية وتحركاتها الدبلوماسية في المحافل الإقليمية والدولية، رافعة شعار سياسة الحزم التي تم تصديرها مع ممارسات داعمي الإرهاب والمشروع الفارسي، فانبثق عنها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن؛ والذي استطاع إغاثة الشعب اليمني المنكوب؛ وقطع الشريان الإيراني بالبلاد؛ وتخليص معظم المناطق اليمنية من جرائم التعذيب والإبادة التي ترتكبها ميليشيا الحوثي الإيرانية الإرهابية، ومنع استنساخ ميليشيا حزب الله جديدة في البلاد على غرار ما يحدث في لبنان، بما كان ليهدد الأمن القومي الخليجي والعربي، وحركة الملاحة عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر. كما نتج عن سياسة الحزم تكوين التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، والذي يقوم على تبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية بشأن نشاطات الجماعات الإرهابية، والعمل على تجفيف منابع الإرهاب، ومعاقبة مموليه، واتسمت سياسة الحزم باعتماد نظريات دبلوماسية خففت من المأساة السورية، وقطعت الطريق على النفوذ الإيراني بها، كما منعت اختطاف لبنان من محيطه العربي، وكذلك أعادة العراق إلى الحضن العربي من خلال عدد من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية، وتوافقت مع جهود مصر والإمارات في إعادة الاستقرار إلى ليبيا. ونجحت سياسة الحزم في تشكيل دول الرباعي العربي الداعية لمكافحة الإرهاب، هذا الرباعي الذي اتفق على مقاطعة النظام القطري بسبب تورطه رسميا في دعم وتمويل جميع التنظيمات الإرهابية سواء السنية أو الشيعية بالمنطقة والعالم، ومن بينها صفقة المليار دولار التي منحها النظام القطري لجماعات شيعية إرهابية بالعراق بزعم تحرير رهائن قطريين، إضافة إلى تحويله للعاصمة القطريةالدوحة إلى حاضنة لرموز تنظيمات الإخوان والقاعدة والنصرة والحرس الثوري الإيراني. وأثبتت سياسة الحزم جدواها مع النظام القطري، حيث تلاشت العمليات الإرهابية على أرض الواقع في مختلف الدول العربية التي عانت من الممارسات القطرية، وأبرزها: مصر والبحرين والسعودية وليبيا واليمن، والتي بدأت تتنفس الصعداء على مدار أكثر من عام منذ قرار مقاطعة إمارة قطر. مكافحة الفساد أكد ولي العهد في تصريحاته ل"بلومبيرغ" أن ما تم تحصيله من حملة مكافحة الفساد بالمملكة يفوق 35 مليار دولار، بما يشير إلى أن تعد مكافحة الفساد ثاني أهم محاور التجربة السعودية، إيمانا من قيادة المملكة بخطورة تأثير آفة الفساد على الاقتصاد، وما يسببه من هدر للمصروفات، وتآكل للناتج المحلي، فكانت حملة مكافحة الفساد التي تردد صداها شرقا وغربا، حيث أثنى عليها سياسيون عرب بمختلف وسائل الإعلام العربية، ونادوا بتطبيقها عربيا؛ من أجل اجتثاث آفة الفساد من بنيان "الدولة العربية". التجربة الجديدة بالعالم العربي لاقت أصداء عربية، بسبب أهدافها بشأن رفع معدلات النمو والتدفقات والسيولة المالية من خلال سن القوانين الرادعة، وعدم استثناء كبار المسؤولين من المحاسبة حال تورط أحدهم، وحماية المبلغين عن الفساد، بما يوفر للمنطقة تريليونات الدولارات بحسب ما ذكره مراقبون اقتصاديون. التنمية المستدامة أوضح الأمير محمد بن سلمان ل"بلومبيرغ" أنه يسعى بقوة نحو الوصول للتنمية المستدامة، بتنويع مصادر الدخل والاستغلال الأمثل لعوائد النفط في شركات الاستدامة، وخفض معدلات البطالة ورفع نسبة الاستثمار الأجنبي في البلاد، وهذا ما يؤكد ما تتركز عليه التنمية الاقتصادية في التجربة السعودية الجديدة على مسارين أساسيين وهما بناء الاقتصاد الوطني، والعمل على التكامل الاقتصادي العربي؛ بما يخدم التنمية الشاملة والتوافق السياسي. فعلى المستوى الداخلي، أثارت المملكة لعاب أقطاب الاستثمار في العالم، بالإعلان عن تدشين عدد من المشروعات العملاقة، وأبرزها: "نيوم" التي تمتد على 26.5 كم2 من الأراضي السعودية، إضافة لأراضي من مصر والأردن، تستهدف جذب استثمارات تبلغ نصف تريليون دولار، وتوطين مختلف العلوم التكنولوجية، وجعل الربوتات أكثر من البشر، إلى جانب "القدية"، وهي أكبر مدينة ترفيهية على وجه الأرض، تعادل 3 أضعاف مدينة ديزني لاند الترفيهية الأميركية، ويستهدف مشروعها تعمير الصحراء، وتوفير 30 مليار دولار ينفقها أكثر من 7 ملايين سائح سعودي على أنشطة مماثلة خارج المملكة، بالإضافة إلى "مشروعات الطائف الجديدة"، وتعد بمثابة غزو لصحراء الطائف الشاسعة لتحويل جبالها إلى سهول تحمل فوق أرضها مناطق سكنية وجامعة علمية ومطارا عملاقا وفنادق فاخرة ومصانع ضخمة، كما يسعى بقوة للعمل على توطين علوم الطاقة الشمسية واستخداماتها، وتشييد البنى التحتية العملاقة، وبناء المفاعلات النووية السلمية لإنتاج الكهرباء، ودعم مختلف الصناعات الثقيلة. تكامل عربي أما على المستوى العربي، فقد سخرت السعودية الجديدة العامل الاقتصادي في خدمة التكامل التنموي والتوافق السياسي، عبر سياسة مجالس التنسيق وتبادل الاحتياجات المتاحة مع دول المنطقة مثل مصر والإمارات والسودان والأردن والمغرب وغيرها، حيث تبحث المملكة عن الأيدي البشرية الماهرة، والاستثمار في المجالات التي تحتاجها بما يخدم اقتصادها، وبعود بالنفع على الطرف الآخر. توازن العلاقات الدولية بدبلوماسية متناهية الحكمة، رد الأمير محمد بن سلمان في حواره ل"بلومبيرغ" على تصريحات الرئيس الأميركي ترمب بشأن حماية أمن السعودية، مؤكدا سموه أن السعودية كانت موجودة قبل أميركا ب 30 عاما منذ العام 1744، مشددا في الوقت ذاته على أن المملكة لن تدفع شيئا مقابل أمنها، وبذلك يسطر سموه تاريخا جديدا من التحالفات الدولية للمملكة لا يعترف بالعلاقات الفردية فقط، بل يتبنى لغة المصالح والشراكات الاستراتيجية مع مختلف القوى العظمى بالعالم، وهذا ما رسخه تطور العلاقات السعودية الروسية موسكو خلال الفترة الماضية، مما يشير لعهد جديد من العلاقات الخارجية السعودية يقوم على "التوازن"، والذي يعد أحد الركائز الأساسية في ضمان تحقيق النفوذ الإقليمي والدولي. ويقضي تعزيز أواصر العلاقات السعودية مع الأقطاب الدولية على أي مخاطر سوء الفهم المتبادل بين المملكة بمكانتها الكبيرة عربيا وإسلاميا والدول الكبرى فيما يخص أزمات المنطقة، كما يئد أي تعارض للمصالح أو تناقضها مع أكبر دول العالم التي لا يمكن تغافل دورها الفاعل في الشرق الأوسط، بما يحتم أن تربطها بالسعودية علاقات راسخة تقوم على الاحترام المتبادل، وتعزيز فرص التعاون، ودعم المصالح المشتركة، باعتبار المملكة بوابة الشرق الأوسط، وقوة فاعلة على المستوى الإقليمي والدولي، وكقوة اقتصادية من ضمن القوى العشرين عالمياً أو كقوة دينية لها مكانتها في العالمين العربي والإسلامي. وتسعى السعودية الجديدة بحنكتها السياسية للوصول بالبلاد إلى علاقات دولية متوازنة تعطي هامشا من الحرية في التحرك على ساحة الملعب الدولي شرقاً وغرباً، للوصول للريادة الدولية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، والاستثمار في أكثر بلدان العالم استهلاكاً، وتعزيز التبادل الثقافي ونشر الثقافة السعودية في ربوع العالم، ومحاصرة العدو الإيراني المتربص بأمن المملكة، وضمان جذب قوي للمجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب الأسود وتجفيف منابعه، بعدما استوطن في دول عربية، يسفك دماء شعوبها وينخر في اقتصادياتها، وينسف خططها التنموية. Your browser does not support the video tag.