جيل آبائنا كان يعمل في جميع المهن تقريباً، وبنشاط وجدّ، ولم يكن هناك خدم، بل كانت المرأة تُنجز جميع أعمال المنزل، بما في ذلك الولائم.. ومع الطفرة النفطية الأولى (1973) ابتدأ المجتمع السعودي في الاعتماد على الوافدين بالتدريج، وزاد هذا الاعتماد مع السنين، حتى صار الكثيرون يبحثون عن الوظائف المكتبية فقط، ويتركون التجارة والمقاولات ومختلف المهن الأخرى للإخوة الوافدين والذين أخذوا يتزايدون بشكل مخيف ويزيد معهم مرض (التستر). وساد استقدام العاملات المنزليات والسائقين حتى أصبحت كثير من المنازل أشبه بالفنادق فأهلها لا يعملون شيئاً بل يُصدرون الأوامر! وهذا الوضع ضد طبيعة الإنسان الذي الأصل فيه قيامه بمتطلباته وبحثه عن الرزق بهمة وجد، ولكن الاعتماد على الوافدين علّم الكثيرين الكسل والخمول والترهّل، وهذا مرض اجتماعي شديد الخطورة إذا استفحل.. وقد أظهرت دراسة بحثية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، أن ثقافة العمل لدى المواطنين والتي تعتمد على الجهد القليل والدخل الكثير وتفضيل العمل الحكومي المكتبي على المهن والحرف اليدوية، تُضعف الأمن الوطني. وذكر الباحث طلال بن حسن الشهري في دراسته (دور التنمية الثقافية في المملكة العربية السعودية في تعزيز الأمن الوطني)، أن توجه أبناء الأرياف للمدن، وتفضيل الوظائف الحكومية ذات الطابع المكتبي والعوائد المادية المجزية، تسبّب في ترك المهن الزراعية والحِرَف اليدوية للعمالة الوافدة وبرزت ظاهرة الاتكالية على الوافد في كثير من متطلبات الحياة. وأضاف الباحث أن تفضيل المجتمع المجالات النظرية على الطبيعية والتطبيقية في التعليم، والضعف في التدريب المهني، وعدم مواكبة مُستجدات العصر في التعليم، تؤدي إلى ضعف في منظومة الأمن الوطني. ويرى الباحث ضرورة تعزيز ثقافة العمل المنتج من خلال دعم خصخصة القطاع الحكومي وتطبيق معايير الأداء للموظف الحكومي لتعزيز قدراته والقضاء على البطالة المقنعة. ويُضيف أنه من المهم تشجيع القطاع الصناعي ودعمه لإنتاج الصناعات التحويلية التي تُحقّق الاكتفاء الذاتي، إضافة إلى تطوير محتوى المناهج الدراسية بما يتناسب مع متطلبات عصر التقنية وتكثيف مقررات العلوم الطبيعية والتطبيقية.