لا يزال بعض أفراد الجيل الحالي يعتقد بأن العمل أمر غير مهم وأنه من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها خصوصًا إن كان من عائلة ثرية أو كان مقتدرا ماليا فهو يعتقد بأن لا ضرورة لأن يكد ويتعب ويكون له هدف حقيقي في حياته يسعى لتحقيقه، متجاهلا بأن العمل هو طبيعة فطرية ودينية، فالعمل عبادة وقد عمل كل الأنبياء في مختلف المهن، ومع انتشار العمل تنتشر كل الأمور المرتبطة به وفي مقدمتها ما يسمى ب(ثقافة العمل) وهي «مجموعة القيم الأخلاقية والسلوكية والمبادئ التي تهدف إلى الارتقاء بالسلوك الوظيفي والإنتاجي ورفع درجة جودته داخل أي منشأة كانت». طبيعة ثقافة العمل تختلف من مجتمع لآخر وقد ساهم هذا الاختلاف في جعل بعض الوظائف في بعض المجتمعات كالأطباء والمهندسين في مرتبة أعلى دخلا من وظائف أخرى، في حين ترى مجتمعات أخرى مساواة تلك الوظائف وعدم وجود أي تفرقة فيما بينها، كما إن ثقافة العيب لا تزال موجودة في بعض المجتمعات، حيث يرى البعض عدم قبول العمل في وظيفة معينة وإن كانت ذات دخل جيد نظرا لمسماها أو طبيعتها، كما تتجاوز ثقافة العمل تصنيف المهن إلى سلوكيات العاملين في وظائفهم فمنهم من يكون ملتزم وحريص على أن يؤدي عمله بكل كفاءة ومنهم في جهات أخرى من تجده عرف عنه التسيب واللا مبالاة بل قد يتعدى ذلك إلى الكذب والفساد. بالأمس نشرت صحيفة الوطن دراسة صادرة عن جامعة نايف للعلوم الأمنية تفيد بأن ثقافة العمل في المجتمع السعودي تغيرت بعد الطفرة الاقتصادية مما أسهم في تفضيل العمل الحكومي على المهن اليدوية مما يساهم في أضعاف الأمن الوطني، ولخصت الدراسة دور التنمية الثقافية الحديثة في تعزيز الأمن الوطني بالمملكة خصوصًا بعد هجرة أفراد المجتمع من توارث المهن جراء الطفرة الاقتصادية التي أحدثها النفط ولجوؤهم للعمل الحكومي المريح ذي العوائد المجزية مما ساهم في ترسيخ ثقافة العمل غير المنتج داخل المجتمع السعودي وأدى إلى تحويل المجتمع من مجتمع يمارس أفراده المهن بأنفسهم إلى مجتمع اتكالي يعتمد على الوافد في كثير من متطلبات حياته وساهم هذا الأمر من تحويل المجتمع من مجتمع منتج إلى مجتمع مستهلك من الدرجة الأولى. (ثقافة العمل) قضية تحتاج إلى تحسين وتطوير مستمر في كل المجالات ومعالجة ما يرتبط بها من أمور مثل ما أشارت إليه الدراسة مثل تفضيل العمل الحكومي عن غيره، وترك المهن اليدوية والتركيز على المجالات النظرية، وضعف التدريب المهني وهذا كله يتطلب أن يعمل المسؤولون على التركيز على ثقافة العمل ليس لخلق المزيد من فرص العمل فقط بل ومن أجل الأمن الوطني أيضا.