كارستين نيبور مستكشف ورياضياتي وعالم خرائط ومساحة ألماني عمل في خدمة الدولة الدانماركية ضمن البعثة العلمية التي أمر بها فردريك الخامس ملك الدانمارك عام 1760م لاستكشاف جزيرة العرب ومصر وسورية، وتقديم تقرير علمي واجتماعي عنها، ووصل ضمن البعثة المكونة من خمسة علماء بالإضافة الى سادسهم خادم البعثة الى سورية ثم مصر حتى وصلوا اليمن في العام 1762م وباشروا مهامهم كل عالم بما يخصه، إلا أن المنية وافت اثنين من أعضاء البعثة عند ما أصيبوا جميعهم بمرض الملاريا عندها غادر الأربعة المتبقون اليمن الى الهند ولحق بصاحبيه عضو ثالث توفي في السفينة، وقذف بجثته الى البحر وبعد يوم واحد فقط توفي خادمهم وبقي من البعثة نيبور صاحب الكتاب، وطبيب الرحلة كرامر الذي أصبحت مهمته الوحيدة إبقاء نيبور حياً وتقديم العلاج له لكن الطبيب نفسه لحق ببقية أصحابه وتوفي بعد وصولهم بومباي ببضعة أيام ليبقى كارستن نيبور الناجي الوحيد من البعثة العلمية الضخمة، وقد عاد للجزيرة بعد تماثله للشفاء ليستكمل مهمته وحيدا وكان لايزال شابا دون سن الثلاثين من عمره والذي كان شاهد عيان لمرحلة مهمة من تاريخ جزيرة العرب وقدم وصفا تفصيليا لجغرافيا وتاريخ بعض مجتمعاتها أصدر بها عددا من الكتب كان أحدها كتابه «وصف أقاليم شبه الجزيرة العربية» والذي اشتمل على وصف كامل للجزيرة العربية واقاليمها وبعض عادات مجتمعها. كان أحدها أهمية «اللحية» في البلدان العربية والإسلامية عموما والقداسة والوقار الذي كانت تحظى به. وذكر في البداية بأن الرجال كانوا يحلقون شعر الرأس في مملكة الامام باليمن من الديانات المختلفة بينما يرخيه المسلمون في أكثر مناطق البلاد ولا حظ انهم لا يعتمرون القلنسوة أو الشال بل يكتفون بعقد شعورهم الى الخلف بمنديل. ويفضل البعض الاخر أن يترك شعره مسدولا على كتفيه ويربط شريطا حول رأسه، أما البدو الذين يقيمون على حدود الحجاز واليمن فيضعون قبعة من أوراق النخيل محبوكة بمهارة. مشيرا الى أن اغلب المسلمين يلفون حجابا مغلقا بالجلد أو حجارة مرصعة بالفضة حول زنادهم «ربما لاتقاء الحسد والعين الشريرة» كما انهم يتزينون بالخواتم الشعبية. لكنهم يخلعون الجواهر والحجارة الكريمة أثناء الصلاة امتثالا منهم لقوانين دينهم، وحتى يستجاب لدعواتهم. ولاحظ أن يهود اليمن يحاكون يهود بولندا فقرا ونظافة. ومع أنهم لا يتجرأون على ارتداء الشال يكتفون بقلنسوة صغيرة جدا تميزهم عن سواهم الا انهم يسدلون خصلة من الشعر حول الاذن. ويتميز الشرقيون حسب وصف نيبور بأزيائهم المختلفة وإرخاء لحاهم. كذلك يحافظ اليهود في تركيا وشبه جزيرة العرب وبلاد فارس على الاهتمام بلحاهم منذ صباهم، فلا يحلقونها عند الاذنين عكس المسلمين والمسيحيين الذين يقصونها من الأعلى ويفضل العرب الشاربين القصيرين ولكنهم لا يمسون لحاهم ابدا. وفي جبال اليمن يعتبر حلق اللحية مخزيا حسب تأكيده خاصة وأن السكان لم يعتادوا على رؤية الغرباء، لذا عندما رأوا خادم الرحلة الأوربي الذي قام بحلق شاربيه بشكل تام عدوه اقترف جرما ما. فبادر رئيس البعثة بمعاقبته أمامهم كما يقول نيبور بقص لحيته. في المقابل يتميز الاتراك بشواربهم الطويلة ولحاهم المحلوقة مع سالفين رفيعين عند الخدين ويعد ذلك دليلا على نبلهم ويجبر المماليك والخدم على حلق لحاهم والاكتفاء بالشاربين أما الفرس الذين يتميزون بشاربيهم الطويلين جدا، فيقصون ذقونهم بالمقص فتبدو وكأن عمرها لا يزيد على بضعة أسابيع، ولكن هذه الطريقة لا تروق للغرباء بتاتا، ولم يرى نيبور يوما حسب وصفه عربيا كبيرا وأصيلا له لحية سوداء فالمسنون يصبغون لحاهم البيضاء باللون الأحمر بغية إخفاء عمرهم الحقيقي رغم أن هذه العادة غير مستحبة على الاطلاق، وبفضل الفرس اللحية السوداء الحالكة حتى بعد تقدمهم في السن ليبدوا أكثر شبابا، ورغم أنه لايليق بالتركي النبيل أن يصبغ لحيته باللون الأسود الا أن معظمهم يلجأ الى هذه الطريقة، التي تعتبر ضرورية بين الشباب منهم، حتى يظهروا مدى وسامتهم، فاللحية السوداء ليست شائعة بين الاتراك مثل العرب والفرس الذين يعدون شعوبا جنوبية. ويذكر بأن التركي الذي كان يحلق ذقنه في صباه ويرغب أن يرخيها مرة أخرى فإنه يقرأ الفاتحة وكأنه يتعهد أن يقطع بذلك عهدا على نفسه بأن لا يحلقها أبدا، ويعاقب كل شخص قام بحلق لحيته بشدة عند بعض مجتمعاتهم بالجلد 300 جلدة إن لم يكتفوا بالجزية كما في البصرة، ويظل ذلك الشخص محتقرا عند المؤمنين كلهم. ونقلوا لنيبور بأنه قبل وصوله الى البصرة بحوالي 12 عاما اقدم أحد سكانها وهو في حالة سكر الى حلق لحيته وبعد ما افاق ضاقت به الأرض ففر بعدها خلسة الى الهند ولم يعد ابدا الى بلده لشدة خوفه من احتقار الناس لفعلته ومن العقاب الذي سينزله به الحاكم. ومما لا شك فيه أنه كان مقتنعا بأنه يستحق ذلك، لأنه خالف نذره وهو ثمل. في مرحلة أخرى لا حقا طبق في المجتمع النجدي عقوبة حلق اللحية للجاني في حالات معينة من المخالفات والجرائم الكبيرة مثل الخيانة وسرقة الآمن والجار والتعدي على محارمه فكان يؤتى به وتجز لحيته لتبقى وصمة عار طوال حياته. صبغ اللحية بالحناء يكسوها باللون الأحمر