كما في الأزياء وأسلوب الحياة والتكيف مع المتغيرات، يعيش الشباب اليمني صراعاً مريراً بين الجديد بكل جاذبيته والقديم بكل رصانته وأحياناً جموده. التقاليد الاجتماعية المحكومة بعادات القبيلة وأعرافها تشده إلى الخلف ومخاصمة الحديث، وثورة التكنولوجيا تضغط عليه للخروج من شرنقة الماضي مهما كان الثمن والنتيجة. وربما تحكي هذه العبارات قصة الشباب اليمنيين مع الشوارب واللحى مع خصوصيات مميزة في المجتمع اليمني عموماً. من خلال جولة موسعة ونقاشات مع الكثير من الشباب اتضح أن الغالبية تهتم بإطلاق الشوارب كعلامة على البلوغ وإظهار الرجولة والخشونة والفتوة. ومنهم من يقوم بالتهذيب والقص وفقاً للضرورة أو تماشياً مع بعض الموضات المستوردة خصوصاً من منطقة الخليج والشام ومصر. لكن الشوارب تبقى رمزاً من الصعب إن لم يكن من المستحيل إدعاء الشجاعة بقرار يتخذ بحلقها تماماً. هنا يصبح الشباب مدعاة للسخرية ومادة للتندر وتشبيهه بالنساء والحريم والأطفال. وخلال جولة في جامعة صنعاء لاحظنا أن قلة نادرة أقدمت على حلق شواربها، خصوصاً في أوساط الطلبة العرب الوافدين أو الطلبة اليمنيين المقيمين في الخارج منذ سنوات طويلة. ويقول نشوان العصري طالب جامعي، ان من يحلقون شواربهم ربما ينتمون إلى طبقات غير تقليدية في اليمن تمكنهم من عدم التقيد بالقيم المتوارثة الأصيلة التي يصعب الخروج عنها أو يكونون من الطلاب اليمنيين الذين درسوا في عواصم أوروبية أو عربية وينتشر ذلك بصفة خاصة في أوساط الأطباء اليمنيين، إذ هناك اعتقاد اجتماعي بأنه ليس من الضرورة أن يهتم الطبيب بالإبقاء على شاربيه مثلاً. ويرفض عبدالوهاب المطري تماماً فكرة قص أو مس الشوارب التي يجب أن تكون أحد مظاهر الفخر لدى الشباب وهو يسخر من الذين يحفون شواربهم لتبدو قصيرة على نمط المشاهير في العالم، معتبراً أن في ذلك تقليداً أعمى وشكلياً يضيع هيبة الرجل في أسرته وداخل مجتمعه. وفي اليمن تتعدد الأمثال الشعبية التي تنتقد حالق شاربيه، وحين يقسم الشخص على شيء يبدو متأكداً منه يقول: "أحلق شاربي وأصبح حرمة إذا حصل كذا وكذا". ويبدو أن نجوم الغناء في العالم العربي يمثلون قدوة لبعض الشباب في اليمن في قصة الشوارب واللحى مثل جورج وسوف وكاظم الساهر وراغب علامة، كما يؤكد خالد عبدالرحمن الشميري، الذي يضيف أن بعضهم يحب تقليد قصة اللاعب البرازيلي المشهور رونالدو. وفي رأي الصحافي أحمد الظامري رئيس القسم الرياضي في صحيفة 26 أيلول سبتمبر أن الموضة حالياً لدى الشباب هي تخفيف الشاربين، مشيراً إلى ان الكثيرين بدأوا يفضلون السكسوكة المنتشرة في الخليج والتي تربط جزءاً من الشارب مع الذقن مع تنظيف كامل لبقية اللحية. وهو شخصياً يؤيد تخفيف الشوارب لأسباب تتعلق بالنظافة خلال تناول الطعام فضلاً عن أنها تمنح شكلاً لائقاً ومقبولاً. ويقول الظامري ان تخفيف الشوارب منتشر في شكل كبير في أوساط اللاعبين والرياضيين اليمنيين الشباب حالياً لأنه عملي ولا يحتاج الرياضي إلى العناية بقص الشاربين إلا كل أسبوعين تقريباً أو عشرة أيام. ويرى نديم الجمالي - ضابط في الجيش، أن المجتمع اليمني يشدد بصورة كبيرة على الاحتفاظ بالشوارب، لكن الطلاب الدراسين في الخارج يتكيفون مع المجتمعات الجديدة لفترة الدراسة ثم يعودون إلى حظيرة العادات اليمنية عقب انتهاء الدراسة ليس ذلك في الشوارب فقط وإنما في الزي والملبس وحتى العادات المختلفة. وفي الوقت الذي تنتشر اللحية في الكثير من الأوساط الشبابية اليمنية فإنها لا تبدو ملزمة اجتماعياً عند الجميع. ويرى أحمد الوادعي - موظف، أن اللحية تكثر في أوساط علماء الدين وقادة القبائل وبعض رجال الأعمال والسياسيين وباعة القات ويطلق عليهم اسم المطوعين. غير أن اللحية يجب أن يكون لها سبب شخصي وقناعة ذاتية كما يؤكد وحيد الريمي ولا يشترط أن تكون مفروضة اجتماعياً. أما عبدالمنعم الجابري إعلامي، فيؤكد أنه يطلق لحيته فترة طويلة ثم يقصها لأنه ليس لديه وقت للعناية بها أو حلقها، في الوقت الذي يطلق آخرون لحاهم لأسباب صحية مثل وجود فطريات أو أمراض جلدية تؤثر في البشرة. الفتيات في اليمن يتفقن على أهمية وجود الشوارب بالنسبة الى الشباب ويعتبرن هذا شرطاً للارتباط قبل أي شرط آخر. وترى فاطمة أحمد طالبة، أنها لا تتخيل نفسها زوجة لرجل منزوع الشاربين ولا يمكن أن تتحمل نظرة صديقاتها وغمزهم عليها في حال سارت بجانب رجل حليق الشاربين. وتتفق معها ليلى سعيد طالبة، لكنها توافق على التخفيف من الشاربين بعض الشيء كناحية جمالية ولا مانع لديها من حلق اللحية تماماً. وتضيف: ليس في أسرتنا أو بين أقاربنا شباب من دون شوارب ولا يمكن أن يقدم أحد على ذلك مهما حدث". لطيفة عبدالله رأيها مختلف تماماً عن كل من التقيناهم، إذ ترى أن الشوارب واللحى مسألة شخصية ولا علاقة للمجتمع بها، وهي تفضل عريساً من دون شاربين معتبرة أن هذه التفاصيل شكلية. فالمهم جوهر الشاب وأخلاقه وعلمه ورؤيته للحياة وليس مظهره ورأي الآخرين في لحيته وشاربيه. وهي من الأصل تنتقد طرح القضية على بساط النقاش والبحث، لأن معاناة الشباب في "الوطن العربي" بسبب البطالة المنتشرة والكبت والقهر هي قضايا من الأجدر أن نبحث لها عن حلول، وليس تخفيف الشاربين أو قصهما على حد قولها. وتقول لطيفة ان الرئيس الأميركي جورج بوش من دون شاربين والرئيس العراقي صدام حسين لديه شاربان مفتولان، لكن القوة لمن؟ فهل يجدي شاربا صدام شيئاً في المعركة - الكارثة التي ننتظرها كل لحظة. وفي لقاء مع حسن أحمد القرواع أمين عام نقابة الحلاقين اليمنيين قال انه يلاحظ أن الشباب اليمني يقبل هذه الأيام على أحدث قصات الشعر مثل قصة فيرساتشي "قصة كاظم الساهر" أو قصة المارينز، والشباب الذين يفضلون هذه القصات هم من صغار السن والمراهقين. ويضيف القرواع: كان تقصير الشوارب من الأشياء غير المرغوب فيها منذ سنوات لأن ذلك يخالف العادات والتقاليد اليمنية، أما الآن فالموضة أصبحت الشوارب القصيرة جداً والتي يتم قصها بالماكينة. وبالنسبة الى التقليعات الخاصة بالشاربين والذقن فهي كما يقول القرواع منتشرة لدى بعض الشباب، خصوصاً اليمنيين القادمين من دول الخليج، والكثير يفضل الحلاقة العادية الرسمية الخالية من أي أشياء لافتة أو مظاهر غربية، ويفسر ذلك بارتباط الشباب في اليمن بجذورهم وعقيدتهم حيث يلتزمون الحديث النبوي الشريف: "حفوا الشوارب وأطلقوا اللحى". وتأسست نقابة الحلاقين اليمنيين عام 1996 وهي تدافع كما يقول أمينها العام عن حقوق الحلاقين وتعقد اجتماعات دورية ولها فروع في المحافظات. وتركز النقابة على حماية المهنة من المنافسات الخارجية كما تعقد دورات صحية للحماية من الأمراض المنقولة مثل الإيدز وتهتم بإنشاء معهد للفنيين في مجال الحلاقة وتثقيف الحلاقين. وفي محله الواقع في شارع الزراعة قدم لنا القرواع إثنين من زبائنه. الأول عبدالفتاح العواجي مدرس، يقول انه يفضل قصات الشعر العادية ولا يقوم مطلقاً بإطلاق لحيته ويحيذ الشاربين العاديين من دون أي تقليعة. والثاني محمد الآنسي وهو طالب يقول: "أحب مسايرة الموضة وكل جديد في قصات الشعر وليس ذلك عيباً فنحن جزء من هذا العالم الكبير وليس أمراً جيداً أن تبدو ملامحنا مثل عرب الدولة العباسية أو أعراب صحراء الجزيرة العربية قبل ألف عام حتى نقول ان لدينا أصالة وتمسكاً بالتقاليد".