في فلسفة التأمل يُشبّه "العقل" بالقرد، ولأن القرد دائم الحركة، يكون الدرس الأول في عملية الاسترخاء والتأمل هو "ثبّت القرد"، (Hold the Monkey) بمعنى امسك بزمامه ليستقر وتهدأ حركته. ومع التركيز على حالة التنفس يتحقق للمتأمل تدريجياً التواصل مع صوته الداخلي، وتصفية ذهنه من الملوثات الحياتية التي توتر أعصابه، وتؤثر علي صحته. بالنسبة للمواطن العربي/ المسلم، لا أعتقد أن لديه مشكلة بهذا الخصوص، ف "قرده" ثابت، لا حراك، أشبه بسبات النوم، فعقله يبدو نائماً، مُغيباً، أغلب الأوقات. إنه توقف عن العمل أكثر منه نوماً، فقد أجبرته الأنظمة لزمن طويل على عدم إعمال عقله، والكف عن التساؤل؛ بحيث يمكن لأي متتبع لمجريات الأمور أن يدرك أن "العقل" العربي (كعقل جمعي) خارج الخدمة. وتعاظم بلاء العقل بجماعة استخدمت الدين لإعلاء ثقافة الموت. وباسم الإسلام طمست جوهره، وحولت عقيدته من التسامح والمحبة والدعوة إليه بالموعظة الحسنة، إلى التشدد والترهيب والتكفير، والاتباع المطلق. واعتنقت عقيدة: الغاية تبرر الوسيلة. الوسيلة الأخطر على الإطلاق، هي التدبير الممنهج لإلغاء دور العقل، في التدبر والتأمل والتفكر لدى الأتباع؛ بل ومحاربة كل محاولة لإعماله عامة لدى المواطن، خوفاً من كشف أوجه الضلال فيما يرمون إليه. ولأن الزمن يتغير. ولأن الله تعالى يمهل ولا يهمل، كان لا بد وأن ينقلب السحر على الساحر. ولكن.. هل اختفى الساحر؟ لا، فقط بدل جلده، وغير صوته، واخترق كل فضاء يمكنه من ممارسة سحره من جديد على السذج من فاقدي القدرة على التفكير، ترك الساحر وراءه عباءة المسجد، واعتلى منابر النجومية والأضواء. يجمع حوله من جديد، كل من في نفسه شهوة للتحلق حول ضوء، تشبع افتقاده لمعنى وجوده. فقط تبدل وجه الساحر، وتطورت أساليبه، واستبدلت الأقنعة بأقنعة جديدة براقة تدّعي المراجعة، والتوبة، واستعادة "الوعي". ولكن، أين وعي المواطن العربي والمسلم الذي غيبوا عقله وأفسدوا عليه حياته، بفتاويهم وأساليبهم الإرهابية، وتنشئته على تقديس النص؟ كيف يستعيد هو وعيه، وكيف يسترد عقله؟ كيف يُعاد تأهيل هذا المواطن، من تقديس النص إلى إعمال عقله فيه؟