سيطرت وسائل الإعلام الرقمي على كل أوجه حياتنا، حتى غدا الإعلام يجري في دمائنا، وهذا يؤكد أهمية الوسائل الإعلامية، والأهم هو المحتوى الذي تنقله الوسيلة، فالمحتوى يمثّل أزمة حقيقية تنتج عنها أزمة في تحديد اتجاه البوصلة، وهذا وذاك يخلقان أزمة في اتجاه أفكار المجتمع. يذكر خبراء الإعلام أن للإعلام ثلاثة مستويات من التأثير: تأثير معرفي، وتأثير وجداني يتكون بعد حدوث التأثير المعرفي، ثم تأثير سلوكي، وعادةً ما يكون التأثير العاطفي هو الأعلى في أوقات الأزمات. وبما أن الرسالة الإعلامية متغيرٌ رئيس في تكوين اتجاه الجمهور، فقد زاد تأثيرها؛ لاعتماده على تطورات وسائل الإعلام الرقمي، وما تحمله على مدار الساعة؛ ما يسهم في صياغة رأي عام عبر وسائل الإعلام التي تبث الأفكار للوصول إلى صورة ذهنية مستهدفة، فالرأي العام يبدأ بفكرة، ثم محتوى جذّاب عبر وسيلة ممتعة، عندها يتكون رأي عام مؤثر. وإذا لم يتم استثمار الإمكانات الإعلامية استثمارًا حقيقيًا؛ فإن نتيجة ذلك إعلامٌ ذو مخاطر، لا يقدم محتوى منافسًا، ولا يستثمر التطور الرقمي؛ وهذه التأثيرات السلبية تدوم آثارها فترات طويلة؛ لذا لا بد من معالجة هذه المخاطر بإزالتها، أو تقليلها، أو نقلها. وتتنوع المخاطر في عالم الإعلام، ومنها على سبيل المثال: الخطاب الإعلامي الذي يكون موجهًا إلى قادة الرأي لا الجمهور، فلغة الخطاب لقادة الرأي موضوعية؛ لأن موقفهم عادة ما يكون منطقياً، والتأثير فيهم ممنهج، بعكس الأتباع الذين يسهل التأثير فيهم؛ لذا يجب على الإعلام توظيف قادة الرأي وفقًا لمكانتهم، وثقافتهم، ووزنهم الجماهيري، ويدخل في هذا مشاهير الإعلام الجديد، فيحدث التأثير المخطط له، ويسمى نظريًا تدفق المعلومات على مرحلتين. أما كفاءة الوسيلة فلها تأثيرات خطيرة في صياغة الرسالة الإعلامية، وتتمثل كفاءتها في مجموعة عوامل، منها: المنظمة المنتمية إليها، وثقافتها، وكفاءة هيكليتها الداخلية والخارجية، وتباين توجهات أفرادها، وثبات نهجها، فالتأسيس المحوكم ينتج منصة إعلامية تخرج رسالة إعلامية ذات صياغة احترافية، تكسب ثقة المتابع، وتعزز الانتماء بشكل أعمق، فتنوع المنصات يسد ثغرات لا تدع للأعداء منفذًا. أيضا، خطر غرس الثقافات يكون حسب البيئة الاجتماعية، وتبعات الغرس، ومنتجاته، وتأثيراته التي تظهر على الجمهور بالعرض التراكمي للرسائل، وتظهر نتائجها على المدى البعيد، فالثقافة المنتجة إعلاميًا قد يُجهل مصدرها، وتكون عبر أدوات كالأفلام والإعلانات وغيرهما. وإذا كان الغرس موثوق المصدر، فهو محمود الثمار كحملات التوعية بمخاطر الإرهاب، وهذه هي نظرية الغرس الثقافي، فالوعي الثقافي سلاحٌ مضاد لأي غرس سلبي. وأما الخطر الأصعب فيتركّز على اهتمام وسائل الإعلام بتكوين رأي عام مجتمعي تجاه قضية ما، فخلق قضية وتضخيم وزنها لأهداف خفية، يجعل معظم الأفراد يتحركون في الاتجاه المخطط له، وتصمت الفئة المعترضة، وهذا ما يعرف بنظرية دوامة الصمت، وبالتوظيف الأمثل لهذه النظرية نكون محصنين ضد أي رأي يأتي من الآخر، ونمتلك القدرة على تكوين رأي عام يصل إلى الآخر، ويحدث هذا من خلال خلق منصات إعلامية احترافية متنوعة ذات قواعد صلبة. خلاصة الأمر؛ يجب توظيف نظريات ومبادئ الإعلام توظيفًا يحقق أهدافنا، إعلام يتصدى لكل أزمة دفاعًا وهجومًا مع تنوع الوسائل، وتقوية المحتوى، وخلق منصات إعلامية مستقلة، ويصاحب ذلك تطوير أفقي ورأسي لمقدمي الرسالة الإعلامية، ويكتمل ذلك العقد بانفتاح إعلامي متوافق مع خصوصيتنا، يبتعد عن التنميط، ويحمل اتجاهات متباينة تخلق بيئة قوية: كفرق كرة القدم عندما تتنافس، ثم تتحد حول منتخبها، فعند الأزمة تتوحد القوى على تباينها. أما معالجة الأزمات فلا تكون بالخطاب العاطفي الفضفاض فحسب، بل بخطاب عقلاني، يجيب بوعي عن الأسئلة الرئيسة: من؟ متى؟ أين؟ ماذا؟ كيف؟ لماذا؟