قبل عشرات السنوات، وقبل التقنيات ووسائل التواصل الاجتماعي التي غزت المجتمع، ونقلته من الواقع المصغّر إلى عالم أكبر وأكثر شموليّة، كان المعلم - مع الآباء والمسجد - مصدر كل جديد مُبهر.. وإجابة لكل سؤال مُحير. حتى دارت عجلة الزمن، وطغت وسائل التواصل الاجتماعي بكل قنواتها وأشكالها، وغيّرت وجه الحياة اجتماعياً واقتصادياً وصحياً وثقافياً، فصارت المعلومات بضغطة زر من العم «google» تأتيهم، هنا تضاءل دور المعلم كمصدر للمعلومات الجديدة، وكمشبع لنهم الرغبة في مزيد، وكمنقذ من سيطرة حب الاستطلاع. أصبحت المؤانسة بين الأصدقاء سهلة ميسرة، فالصديق مع صديقه وسط وبين برامج جهازه، يحادثه متى شاء، ويؤانسه حيثما أراد، وليس شرطاً أن تجمعهم فصول الدراسة، لقد أصبح العالم مفتوحاً بعضه على بعض، وصار البعيد أقرب من القريب المجاور. صارت المدرسة بقيودها، وقوانينها، وأنظمتها عبئاً ثقيلاً على الطلاب، فماذا تقدم لهم من جديد؟ (المعلومات في بيوتهم أكثر، والأصدقاء معهم داخل أجهزتهم)، خصوصاً في المدارس التي ما زالت تعتمد التعليم البدائي (سبورة وكتاباً، وقلماً ومعلماً) يستخدم طريقة الإلقاء في تدريسه والطلاب أمامه في مقاعد موزعة بصفوف طولية مرتبة، وفي حالة صمت وفرض استماع لمعلومات يستطيع معرفتها باستخدام كل حواسه من جهازه الذي تركه في البيت - ومفروض عليه ذلك - وما زال فكره معه.. ويعد الدقائق عدّاً دقيقاً؛ لكي يعود إليه ويلتقي بمن في هاتفه النقال من أصدقاء.. نحن ككبار نعلم أهمية المدرسة، وأهمية قيودها وأنظمتها وقوانينها، لكن النشء من يقنعهم وهم جيل التقنية ولهم أوجدها الله وسخّرها؟! هذا ما يبرر لنا فرحتهم بالإجازة، واستعدادهم لها قبل أن تبدأ بأيام، وصعوبة استعادة مقاعد الدراسة لهم بعدها، بل المطالبات الملحة منهم أثناء كل إجازة بتمديدها وزيادة أيامها. والآباء والمربون والمسؤولون في جهود حثيثة لحل هذه الأزمة، ما بين عبارات تُهدد وأفعال تحاول أن تمنع وتحدد. الحل: لم تقصر حكومة خادم الحرمين الشريفين في توفير ميزانية ضخمة للتعليم؛ إذ يقع العبء على إدارات التعليم في كل منطقة، ومكاتب التعليم، في بحث طرق تحببهم في المدرسة، وذلك بجعلها مكاناً لا يمكن لأي مكان أن يضاهيه (أماناً ومصادر تعلم) لنوفر التقنيات في كل فصل.. لنجعل التعليم جماعياً تعاونياً. لندرب المعلمين على مسايرة هذا العصر بكل ما فيه من ثورة تقنيات. لنمسح من أذهان المعلمين الصورة السابقة للتعليم.. (معلم يقف أمام السبورة يدون العنوان يطرق أقرب طاولة لإسكاتهم، ثم يبدأ في إلقاء ما في جعبته).. هنا استنفد المعلم طاقته، وأثقل كاهله، بينما الحل بسيط: هو توظيف تلك التقنيات في درسه، وجعل دوره فقط إشرافاً وتشجيعاً وتوجيهاً. لنجعل بيئة الفصل بيئة جاذبة، كما يجد الطالب صديقه في وسائل التواصل متى شاء، علينا أن نجهز له المعلومات متى ما أراد في مواقع يحددها معلمه. أما ما نحن عليه من خصم درجات، ورسائل لأولياء الأمور، فليست مجدية وحدها للحد من الغياب قبل الإجازة وبعدها. لا بد من الترغيب وليس الترهيب ليكون الحضور مجدياً هادفاً، ذا نفع، وليس مجرد أجساد بشرية تُكدس في فصل والفكر غائب والهدف معدوم.