"الثقافة" جزءٌ أصيل من العمل السياسي والدبلوماسي كقوة ناعمة وجسر قويم للتعاون والتفاهم والترويج والحوار بين الشعوب والدول. فالثقافة والفنون توفران أرضية لمعرفة الآخر وإدراكه وسبر أغواره؛ لتلامس اتجاهاته واستعداداته وتحديد معالمه، كي يتم فهمه أولاً، وبالتالي تجعل تصورنا وصورتنا عنه أكثر وضوحاً، وتجعلنا أكثر قرباً منه بخلق شبكة مصالح سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية واسعة، حتى تجعل الدول تشعر بحاجتها إلى بعضها البعض، ويصبح استقرار واستقلال كل دولة يمثل مصلحة أصيلة. من هنا تكون "الثقافة" أداة ناعمة تمارس من خلالها النفوذ، لتصنع فاعليتها، وتظهر تنوع المجتمعات النابعة منه، وتعكس أنماط حياته وتعليمه، فنونه وآدابه، موسيقاه ومسرحه، رقصه وأهازيجه.. وما ينتجه من ثقافة عليا تنسج علاقتها مع الدول الأخرى ومجتمعاتها الذي تتخاطب معهم؛ وبهذا تكون "القوة الناعمة" بطريقة مهنية احترافية ومتغلغلة مقنعة! ويُعد إعلان ولي العهد ومهندس السعودية الجديدة الأمير محمد بن سلمان عن رؤية 2030، إضافة نوعية لتوجهات الدولة، ويحسب لها استنادها لأرضية صلبة من المنجزات المتحققة على أرضنا حالياً يمكن استثمارها، وحيث إن مصدر القوة الناعمة السعودية هو نموذجها التنموي الوطني، سيكون من المهم أن تستثمر هذه الرؤية الكثير في تعزيز مكانة السعودية سياسياً واقتصادياً وثقافياً. ولا شك أن العمل الفردي والمؤسسي المُمنهج سيصنع "قوة ناعمة" ومختلفة، فالفردي يكون عن طريق أدبائنا ومثقفينا وفنانينا وطلبتنا المبتعثين.. وبالتالي مهم أن يتم دعمهم عبر القنوات الرسمية بعملٍ منهجي عن طريق الجهات ذات الصلة. ونحن متفائلون جداً، بما اختتم به خادم الحرمين الشريفين العام الحالي من الأوامر الملكية، تضمنت تعيين وزراء جمعوا الدماء الشابة والخبرة الناضجة، وجميعها تصب في مصلحة "القوة الناعمة" السعودية من وجهة نظري؛ لأن مسؤوليتها متوزعة بين عدد من وزاراتنا وهيئاتنا، فللمتابع يجد تعيين وزير الإعلام تركي الشبانة وهو "ابن" وأحد عَرابي الإعلام السعودي الدولي بخبرة متجددة وناضجة وهذا يجعلنا نتفاءل أن "القوة السعودية الناعمة" في كل ما يخص قُوتنا السياسية ومنتجنا الثقافي والإعلامي سيكون بخير، وكذلك تعيين عادل الجبير وزيراً للشؤون الخارجية عضواً لمجلس الوزراء؛ ليتفرغ لرحلاته المكوكية وعقد اللقاءات والمفاوضات ستتيح لقوتنا الناعمة في التوسع خارجياً مع دبلوماسيّ متمرّس وواجهة سعودية مضيئة، وكذلك نجد الالتقاء ذاته مع وزارة الثقافة بقيادة الأمير بدر آل سعود والتي عليها دور كبير في ترجمة "رؤية 2030" بقوة ثقافية ناعمة، وتلتقي أفقياً كذلك مع وزارة التعليم بملحقياتها الثقافية ومبتعثيها ومدارسها في الخارج وطلابها الدوليين في الداخل، ومع هيئة السياحة والتراث ذات الإرث الكبير لإبراز تراثنا وسياحتنا وترويجها دولياً، وكذلك هيئتا الرياضة والترفيه توطيدًا مباشراً في جعل رؤيتنا الوطنية المستقبلية نحو "قوة ناعمة" بفعل ثقافي إعلاميّ وطنيّ يخرج من "المحلية" ويتحرك "ركاده" نحو "العالمية" بإذن الله.