لا شك في أن التوجهات الطموحة تثري المشهد العام على مستوى الحياة والثقافة؛ لكونها مناسبة لحدوث شيء استثنائي في حياة البشر، مع إيجاد كيان هادف، يعي الفوارق الثقافية، ويقدم إسهامًا نفسيًّا في التفاهم الدولي؛ ليكون أكثر تأثيرًا وفاعلية، وأقل انغلاقًا، وأكثر مرونة مع التصورات الأجنبية. ولتحقيق ذلك يتعين عليهم البراعة في استخدام القوة الناعمة، وتعزيز دور السياسة الخارجية والاقتصادية والثقافية، وإقامة مؤسسات جديدة، تساعد على تعبئة القطاع الخاص. ويحظى التراث الحضاري للمملكة العربية السعودية بمقام رفيع، أسهم في النهوض بالعلوم والفنون. وسرعان ما نسجت العلوم على منوال الآداب، وتجددت عبر الأجيال. وإذا تأملنا في هذه المبادئ الرئيسة نخلص إلى أن الأساس فيها الاهتمام والرعاية والبذل الكبير من قِبل قادة الدولة من خلال تمييز هذه الحقائق في عدد من القرارات التاريخية التي أسهمت في حفظ التراث الحضاري، وتنظيمه، والتعريف به، من جهة استحضار التاريخ، وما يساعد به في الوعي بالتفاعلات المختلفة ومدى تأثيرها. ففي هذا المستوى قد نصَّ الأمر السامي الكريم بخصوص مواقع التاريخ الإسلامي في مكة والمدينة، وصدر الأمر بالموافقة على مشروع العناية بالتراث الحضاري للمملكة بوصفه مشروعًا تاريخيًّا وطنيًّا مهمًّا، فضلاً عن صدور الأمر السامي الكريم رقم (م/ 3) بتاريخ 9/ 1/ 1436ه القاضي بالموافقة على نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني. ولعل هذه المرحلة من الاستعداد من أدق المراحل، وهو ما يترتب على مختلف الآراء والمقاربات والتوجهات مستشرفة أبعاد ونتائج المستقبل. هذا، وقد أعلنت وزارة الثقافة السعودية استراتيجيتها العامة التي تضمنت 27 مبادرة، وهي أول حزمة من المبادرات، وذلك في حفل أُقيم بمركز الملك عبدالعزيز التاريخي بالرياض، قال فيه وزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان: «إن الوزارة سيكون لها دورٌ كبير في تحقيق رؤية المملكة 2030؛ إذ ستقود جهود تنمية القطاعات الثقافية والفنية في المملكة إلى ما يثري نمط حياة الفرد، ويشجِّع على التعبير والحوار الثقافي». وفي هذا الجانب جاء تأسيس مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية خطوة رائدة وعظيمة للغة الأم التي تحظى باهتمام بالغ من النخب الأجنبية، وتعتبر إرثًا عظيمًا، يستوجب الفخر والاعتزاز.. وإنشاء صندوق «نمو» الثقافي يحقق مكاسب كبيرة على الصعيد السياسي والاجتماعي، إضافة إلى إطلاق برنامج الابتعاث الثقافي في تطوير استراتيجية بعيدة الأمد للمبادلات الثقافية والتعليمية وتطوير المجتمع وانفتاحه على ثقافات أخرى. ومما يعادل ذلك في الأهمية تطوير المكتبات العامة، وإقامة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ فعندما تتناغم الجهود في عصر غارق في بحر المعلومات فإن من الصعب استخدام موارد القوة الناعمة بنجاح؛ فالدعم الحكومي للمبادلات الثقافية المتميزة له آثار مهمة في تطوير العلاقات وزيادة الاستثمار.