حفل الزمن الجميل بإبداعات عمالقة في الأدب والشعر قدموا الكثير خلال مسيرتهم، منهم من رحل مورثا الشعر لأسرة الادب، ومنهم من لازال ينبض ادبا وشعرا، وفي هذا الحيز نبحر في عالم أحد هؤلاء العمالقة وهو شاعر جازان الكبير محمد بن علي السنوسي أحد شعراء الرعيل الأول، والذي لقبه الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري رحمهما الله بشاعر الجنوب كما يعرف أيضاً بشاعر البحر والجبل والسهل.. ولد الشاعر محمد بن علي السنوسي في أعرق الحارات الشهيرة بمدينة جازان في ذلك الوقت وهي حارة المسطاح عام 1343ه ونشأ في بيت علم وأدب وشعر فقد كان أبوه علي بن محمد السنوسي أحد كبار أعيان جازان، وكان فقيهاً ولغوياً وشاعرا، وقد لقي عناية بالغة من أبيه في تربيته حيث أرسله للكتاب ليتعلم القراءة والكتابة والحساب تحت نخبة من علماء مدينة جازان حينها أمثال الشيخ علي بن أحمد الفقيه ومصطفى أحمد هندي ومحمد عبدالله الشماخي بعد ذلك انضم إلى كتاب الشيخ عقيل بن أحمد حنين عالم الفقه والنحو والصرف كما كان للمكتبات أثر كبير في صقل موهبته وتعدد قراءاته واتساع ثقافته كمكتبة أيمن السنوسي ومكتبة العقيلي ومكتبة أحمد بهكلي كذلك كان للمجالس والصوالين الأدبية الأثر في تقوية ملكته وسعة إدراكه. «رحلة ومراحل» التحق الشاعر السنوسي بالوظائف الحكومية في سن مبكرة، وذلك لكي يقوم بمساعدة والده في الإنفاق على الأسرة فعمل كاتبًا في جمرك جازان عام 1363ه، واستمر في الجمرك حتى وصل مديرًا للجمرك عام 1373ه، ثم عمل بعد ذلك رئيسًا لبلدية جازان عام 1385ه حتى عام 1388ه، ثم أحيل الى التقاعد بناء على طلبه، وذلك للتفرغ للشعر والأدب ليعود في عام 1392ه بدعوه وإلحاح كبير من صديقه الشيخ محمد سرور الصبان للعمل مديرًا لشركة كهرباء جازان وكانت حين ذاك شركة أهلية واستمر بها ثلاث سنوات، ثم يعود ليتفرغ للأدب والشعر وأعماله الخاصة. أحد رواد الشعر الحديث ومؤسس «أدبي جازان» «طباعة ومؤلفات» اهتم الشاعر محمد بن علي السنوسي يرحمه الله بكتابة الشعر مبكرًا، وقد كتب أول قصيدة عام 1359ه وعمره 16 سنة، ومنذ ذلك التاريخ بدأ السنوسي في تأليف القصائد الشعرية تحت إشراف وتشجيع والده وكانت أول قصيدة نشرت له بالصحف المحلية هي قصيدة عنوانها (المدرسة) ومستهلها: عذبت مواردها الغزار مناهلا - دار تفيض بها العلوم جداولا وقد اختيرت هذه القصيدة من قبل وزارة المعارف بمسماها القديم في ذلك الوقت لتكون في كتاب المطالعة المدرسية لطلاب المرحلة الابتدائية وذلك عام 1365ه وقد واجهت السنوسي بعض الصعوبات في نشر مؤلفاته من أهمها عدم وجود المطابع، وكذلك أجهزة الاتصالات الحديثة، وكان يطبع مؤلفاته خارج المملكة بلبنان ومصر. كما اهتم الشاعر السنوسي بالكتابة النثرية وكان يكتب للإذاعة السعودية في المواضيع الدينية والتاريخية، وكان له برنامج خاص يسمى «رجال ومثل». «منابر وجوائز» أصدر في حياته عددا من الدواوين وكان أول ديوان مطبوع عام 1380ه وسماه القلائد ثم تلاه ديوان الأغاريد عام 1385ه وفي عصام 1392ه صدر ديوانه الثالث الأزاهير ورابع دواوينه الشعرية كان بعنوان الينابيع وخامسها «نفحات الجنوب» وقد قام النادي الأدبي بطباعة أعماله الشعرية في كتاب واحد بعنوان المجموعة الشعرية الكاملة، وهو يحتوي على خمسة دواوين شعرية وتعد مكتبة الشاعر السنوسي مرجعًا لشعراء وأدباء منطقة جازان، وقد وصى رحمه الله بإهدائها إلى جامعة الملك عبدالعزيز، ليستفيد منها الباحثون وطلبة العلم. نال جائزة «المتنبي» وترجمت قصائده لعدة لغات وحاز الشاعر السنوسي على مجموعة من الجوائز والميداليات منها:الميدالية الذهبية للريادة الأدبية وشهادة براءة في مشاركته في مؤتمر الأدباء السعوديين الأول وميدالية المتنبي من وزارة الثقافة العراقية كما ترجمت بعض قصائده إلى اللغة الإيطالية ونشرتها مجلة الشعراء الإيطالية التي تصدر من العاصمة روما. «أدبي جازان» جاءت فكرة تأسيس النوادي الأدبية في المملكة استكمالا للتوازن التنموي الذي شمل سائر مناحي الحياة فخلال مؤتمر الأدباء السعوديين الأول تمت موافقة سمو الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز رحمه الله على انطلاقتها فتقدم الأديب المؤرخ محمد بن أحمد العقيلي والأديب الشاعر محمد بن علي السنوسي بطلب الموافقة على افتتاح نادي جازان الأدبي بمنطقة جازان ليسهم في نشر الوعي والثقافة ويجمع شمل الأدباء فأستقبل طلبهما ضمن طلب خمس مناطق أخرى وتمت الموافقة بإنشاء النادي الأدبي بمنطقة جازان بخطاب رقم 1 1 17 461 وتاريخ 27 / 3 / 1395 ه وفي مساء اليوم الثالث من شهر جمادى الآخرة 1395 ه تم عقد أول اجتماع لمؤسسي النادي بمقر مركز الخدمة الاجتماعية بحي المطلع وتم اختيار محمد العقيلي رئيساً للنادي ومحمد السنوسي نائبا له ثم رئيسًا للنادي حتى عام 1407ه ولذا يعتبر الشاعر السنوسي ورفيق دربه محمد العقيلي من مؤسسي النادي الأدبي بجازان. «الراحل المقيم» يقول الشاعر إبراهيم عمر صعابي عن الشاعر السنوسي: ذاكرتي تكتظ بذكريات تكتنز الضوء والحلم، احتدمت صور شتى لشاعر رائد منحنا ضوءه وحلمه، ومن معاناته زرع البسمة في القلوب البائسة السنوسي الراحل المقيم .. أعجز كثيرا عن الإحاطة بشخصية رائدة في مقامه، ولكن حسبي أنه كان أبا أدبيا، له فضل كبير في حبنا للأدب، إذ كان -رحمه الله- واضح المبادئ، يصافحك بوجه بشوش متفائل ؛ فيملؤك أملا للبحث عن معالم نفسك، يجسد ذلك قوله: رأس مال الأديب قلبٌ رقيقٌ والمدى من شعوره أرباحهْ أتقن فنّ الريادة بقلب مفتوح لكل الناس، ينبض بالحياة، يعطيك فقط ولا ينتظر ردا لجميله إلا أن يراك مبدعا حقيقيا ذلكم هو الشاعر الكبير: محمد بن علي السنوسي «رحمه الله». وأضاف: تحدثت عن هذه الجوانب بتفصيل وتوسع في تقديمي لمجموعة الشاعر السنوسي الشعرية الكاملة الصادرة عن النادي الادبي في جازان عام 1423- 2002م. «بين جيلين» أما الأديب عمر طاهر زيلع فيقول محمد بن علي السنوسي شاعا يقع بين جيلين، جيل الشعراء الذين سبقوه فهو بالنسبة لهم مجدد والجيل المعاصر له فهو بالنسبة لهم محافظ ليست المحافظة المغلقة تماما بل لديه استعداد لمواكبة كل جديد في اطار خليلي من ناحية انماطه الفنية لكنه كان ذا رؤيا فكرية متجددة ومفتوحة على الايقاع العام، لسنوسي شاعرا لايزال أرضا خصبة للدراسات المعمقة والجادة وكان محمد السنوسي في حياته اليومية رجل بسيط حسن الطوية، عطوف له علاقات بشرائح المجتمع المتنوعة، لا يستنكف من احد، ولايتعالى على احد، احاسيسه ومشاعره تفيض من ينبوع انساني متدفق، له صداقات وحضور حيوي في مجالس اصدقائه في جازان، وكان رحمه الله محباً لأصدقائه وعارفيه وفياً مخلصاً لهم وكان كثير التجوال والسفر للقاء أحبته وأصدقائه وفي ذلك يقول: سوف أبقى مسافراً ما بقي عمري يحب الجمال والخير شاعر. درست قصائده في المناهج قبل 75 عاماً «معشوقة أحلامه» أما الأديب علي ولي حكمي فقال: كان السنوسي رحمه الله بسيطاً في حياته لا يميل إلى الترف يعشق البساطة في أشكالها وألوانها ويعتبرها مرفأ للأمان في هذه الحياة من تقلبات الزمان، عاش في معشوقته جازانالمدينة حياة البساطة معتبرها مركزاً لأحلامه ومحطاً لآماله ومهبطاً لشاعريته الفذة لأن هذه المدينة مكان ولادته وهي كل شيء في حياته ولاشك أن حبه لهذه المدينة ووفاءه لهذا الحب جعله يعرض عن الانتقال لأي جهة كانت مردداً قوله: ما الذي يأكل الغني إذا جاع سوى الخبز وهو في ظل واد أتراه إن جاع يأكل تبرا أو يعب النضار إن كان صاد فلماذا هذا التهالك والدنيا خيال أو رؤية في رقاد «وفاته وتكريمه» بعد معاناة طويلة من مضاعفات مرض السكر توفي الشاعر محمد بن علي السنوسي في اليوم السابع من شهر شوال عام 1407ه في مدينة جازان بعد حياة حافله في ميادين الأدب والشعر كان أحد فرسانها الكبار تاركاً وراءه عملاً أدبياً وشعرياً تنتفع به الأجيال الحاضرة والقادمة من بعده. ولم تنسَ منطقة جازان ابنها البار وشاعرها الكبير محمد السنوسي عرفانا بما قدم، فقد أطلقت الإدارة العامة للتعليم بمنطقة جازان اسمه على إحدى مدارسها الكبيرة في المنطقة وفاءً وتقديراً لمسيرة حافلة بالشعر والأدب كما سُميت باسمه(جائزة السنوسي الشعرية)التي ينظمها مجلس التنمية السياحية بمنطقة جازان ويشارك فيها عدد من الشعراء من المملكة والوطن العربي. جائزة السنوسي الشعرية تكريماً لما قدم اسم السنوسي على إحدى مدارس جازان إبراهيم صعابي عمر زيلع شعر السنوسي مصدر للباحثين والدارسين إحدى الجوائز التقديرية التي حصل عليها