يشهد المحتوى الإعلامي تطوراً كبيراً مع ثورة الاتصال، والإعلام الجديد بكل تحولاته وتعدد مواقعه، حيث لم يعد المحتوى تقليدياً أحادياً من طرف اتصالي إلى آخر، وإنما أصبحت الرسالة الإعلامية تستوعب في شكلها الأفقي جميع أطرافها، وتتفاعل معهم، وتعبّر في مضمونها عن مهمات متزامنة بين المعلومات والأفكار وصولاً إلى الغاية في التأثير على مواقف وتوجهات الجمهور. النظريات القديمة التي كانت تنظر إلى الجمهور باعتباره متلقياً سلبياً أمام قوة الرسالة الإعلامية وتأثيرها الفعّال؛ لم يعد لها أثر مع الجمهور النشط الذي يبحث عما يريد أن يتعرض إليه، ويتحكم بدوره في اختيار الوسائل التي تقدم له المحتوى الذي يثير دوافعه، ويشبع حاجاته، ويحرّض على الاستجابة المؤدية للسلوك الاتصالي المؤيد للرسالة الإعلامية وعناصرها وأهدفها. إن المهمة التي تنتظر كثيراً من المنظمات الحكومية والخاصة مع رؤية المملكة 2030 هي القدرة على بناء محتوى غير تقليدي؛ يواكب التطورات الاتصالية التي ظهر عليها الجمهور، وتحديداً في شبكات التواصل الاجتماعي، والتطبيقات ذات العلاقة، إلى جانب إيصال أهداف تلك المنظمات ومخرجاتها في صورة تعكس حجم الإنجاز والنجاح الذي تحقق، والفارق الزمني في الوصول إلى ذلك، وهو ما يتطلب مهارة فائقة في إعداد ذلك المحتوى، والرسائل التي يحملها، من خلال تدريب فاعل للعناصر البشرية لمواجهة التحديات، ومواكبة المتغيرات التي شهدتها بيئة الاتصال في عصر التحول الرقمي. لقد أصبحت المنظمات الرسمية وغير الرسمية بحاجة إلى صناعة محتوى ينتقل من تحسين الصورة الذهنية -التي أرهقتها مادياً وذهنياً وحتى نفسياً- إلى بناء صورة جديدة عنها، من خلال إعادة تأطير الجمهور من التوعية (المعرفة) إلى الوعي (المشاركة)، حيث نقول ونكرر دائماً أن أفضل الحملات الإعلامية الناجحة هي التي يقودها الجمهور، وبالتالي لم يعد هناك محتوى مؤثر وفاعل من دون جمهور نشط يدعمه، ويدافع عنه، بل أكثر من ذلك يراهن عليه في المستقبل. الواقع يشير إلى أن هناك "أزمة محتوى" في الجهات الحكومية لا يزال غارقاً في (إدارة المحتوى) المتمثل في أخبار العلاقات العامة وتسويق الشخصيات على حساب المنظمة، من دون أن يكون هناك تحول إلى (صناعة المحتوى)، من خلال قصص ومواقف ومخرجات وتفاعلات إنسانية عفوية يتم تقديمها بلغة بصرية مختصرة في نصوصها، ومشوقة ومثيرة في طرحها، وجاذبة بتصميمها، ثم (تسويق المحتوى) بواسطة عناصر ووسائل أكثر استخداماً وتفاعلاً بين الجمهور، والأهم هو القدرة على مواءمة المحتوى للوسيلة التي تعرضه؛ سواء كان حساباً أو موقعاً أو وسيلة جماهيرية أخرى، حيث يفرض متغيّر الوسيلة أسلوباً مختلفاً في صناعة المحتوى وتقديمه.