الثقافة مكون أساسي وهام، لتاريخ الشعوب، وعاكس حقيقي لهويتها، وتعد مفهوماً مركزياً في الأنثروبولوجيا الإنسانية، حيث تشمل مختلف الظواهر الحياتية، من خلال التعلم الاجتماعي، في المجتمعات البشرية كلها، وتعد الممارسات الاجتماعية، المنبثقة عن الثقافة بمفهومها الواسع، كالفن والتراث، والموسيقى والأدب والعروض الشعبية والفلوكلورية ومختلف الأنشطة الحياتية، الإطار الذي يحتوي تاريخ أي شعب من الشعوب، والهوية التي يتمتع بها كل مجتمع، ومن هنا كان للثقافة أهمية ودور محوري في تطور الشعوب، على مدى التاريخ، كما أن مفهوم الثقافة، يشير دائماً إلى كل ما هو مثالي، أو يلقى القبول والإجماع، مثل الفنون الإنسانية الراقية، التي تسعى لتنمية الذوق العام، باعتبار الثقافة تنمية للنواحي الفكرية والروحية والجمالية. قادنا لهذا الحديث، الإعلان عن انطلاق المهرجان الوطني للتراث والثقافة والفنون بالجنادرية، في دورته ال33 غدا الخميس تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (حفظه الله ورعاه)، وتنظيم رئاسة الحرس الوطني، والذي يُقام هذا العام تحت شعار «وفاء وولاء»، وسيشهد الجمهور خلاله عملاً أدبياً فنياً هو أوبريت «تدلّل يا وطن»، من أداء محمد عبده وراشد الماجد، وكلمات الشاعر فهد عافت. وقبل الحديث عن هذه المناسبة الثقافية الرائدة، لا بد لنا من التذكير أولاً أن مهرجان الجنادريّة يعد من أهمّ المهرجانات في المنطقة التي ينتظرها الشعب السعودي وسكّان دول الخليج العربي كل عام، ويتميّز باعتباره من المهرجانات التي تحافظ على معنى العروبة، وتؤكد على أهمية التّراث الوطني، بكل ما يحمله من القيم الإسلامية والاجتماعية، حيث يحتوي على الكثير من المناشط ذات الوجه الثقافي والتاريخي، كسباقات الهجن وسباقات الشّعراء، ومعارض الفن، والمعارض التّجارية، التي تجري في أجواء احتفالية رائعة، منذ انطلاق المهرجان في دورته الأولى في العام 1985. ولعل ما يميز مهرجان الجنادرية هو ذلك الإقبال الشعبي الكبير عليه، إذ يتوافد إليه النّاس من كافة مناطق المملكة ومن دول الخليج والوطن العربي كونه مهرجاناً يعيدنا إلى التاريخ، ونستلهم من خلاله تلك القيم التي شكلت على مدى الزمن جزءاً مهماً من تاريخ الشعب العربي والخليجي، والسعودي بشكل خاص، إضافة إلى ما يحويه عن مسابقات أدبية، وفنية، وحفلات تكريم للرواد والمبدعين في الفكر والثقافة. لا سيما وأن المهرجان يقام في أجواء ربيعية جميلة، وسط حراك سعودي مؤثر على المستوى الفكري والثقافي؛ ويشارك في الدورة أكثر من 50 جهة من المؤسسات والقطاعات الحكومية والخاصة من خلال الأجنحة والمباني التراثية والمعارض الفنية الثقافية. كما يشهد المهرجان هذا العام مشاركة واسعة وغنية من دولة الإمارات وسلطنة عُمان والبحرين، بالإضافة إلى إندونيسيا ضيف شرف المهرجان، ناهيك عن الحضور المتوقع للعديد من وزراء وسفراء الثقافة والكتاب وكبار الشخصيات والمثقفين والإعلاميين والصحفيين من جميع أنحاء العالم، فضلاً على حضور رسمي رفيع المستوى من دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية. مهرجان الجنادرية هو أكبر مهرجان ثقافي سعودي يُحاكي تاريخ وحاضر ومستقبل المملكة، كما أنه الأضخم من نوعه في المنطقة، ويحظى بمشاركة واسعة وتواجد مُتزايد، وحضور جماهيري كثيف، من عشاق التراث الثقافي والأصالة. ويعد تجسيداً حقيقياً، للثقافة السعودية، يروي للأجيال تاريخ الآباء والأجداد بصورة شيقة ومفيدة وممتعة، تساهم في تنمية العقول، وتوسعة المدارك الثقافية، حيث يقدم للزائرين ما تحمله الذاكرة الجمعية لهذا الشعب، من عادات وتقاليد أصيلة، مستمدة من الدين الإسلامي والتقاليد العربية، ناهيك عن كونه يمثل نافذة سياحية بامتياز بما يقدم خلاله من عروض التراث والفلكلور والحرف والصناعات اليدوية والأسر المنتجة، ورحلات برنامج عيش السعودية ورحلات سياحية من مناطق المملكة، ما يسهم أيضاً بتطوير الصناعة السياحية في البلاد. مهرجان الجنادرية الذي ينتظره الملايين كل عام، هو مناسبة اعتزاز المواطن السعودي بتاريخه العريق، وتراثه الغني، وثقافته الأصيلة، المتجذرة بالانتماء للوطن، والتي جسدت صورة حقيقية، لهذا الشعب الكريم ،الذي، حمل أمانة الأجداد وصانها، وحافظ بكل ما استطاع من قوة، على العادات والتقاليد العربية السامية، بكل ما تعنيه من قيم سلوكية وأخلاقية وإنسانية كبرى.