على أرض مملكتنا الغالية، موطن العروبة والإسلام وقلبها النابض، نشأ وترعرع كثير من شعراء العرب في الجاهلية والإسلام، ففي الجاهلية عُلِّقت قصائدهم على أركان الكعبة، فسميت المُعلقات، وكتبت بماء الذهب، فسميت المُذهبات، وعلقت على الأعناق بسلك السُّمط، فسميت السُّموط، فتلك الأسماء أطلقها العرب على قصائد تُعد من فرائد الدُّر: قِفا نبكي من ذِكرى حبيبٍ ومنزلِ بِسِقطِ اللِّوى بين الدَّخولِ فحَوْملِ فتوضح فالمِقْراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوبٍ وشمألِ من أشهر المعلقات الشعرية قائلها الشاعر الجاهلي امرُؤُ القيس بن حُجْر الكندي، أول من عُلِّق شعره على أركان الكعبة، ومن أوائل من وقفوا واستوقفوا على الديار والأطلال، امرؤ القيس ذكره الأصمعي من فُحول شعراء الجاهلية، وصنّفه ابن سلّام على رأس الطبقة الأولى من الشُّعراء، قال أبو عبيدة في كتابه الديباج: فاتفقوا على أن أشعر الشعراء في الجاهلية امرُؤُ القيس، وامرُؤُ القيس في لغة أهل اليمن هو رجل الشِّدَّة، ملك وابن ملك، كيف لا وأبوه ملك مملكة كِنْدَة، وخاله أعز العرب كليب بن ربيعة، قال الشاعر: بلِّغا كندة الملوك جميعاً.. حيث سارت بالأكرمين الجِمالُ. سكنت كندة قديماً العقيق -"وادي الدواسر حالياً"- وما حولها يقول النابغة الجعدي: وَكِنْدَةُ كَاَنتْ بالعَقِيقِ مُقِيمَةً .. وَعَكُّ فَكُلًّا قَدْ طَحَرْنَاهُ مَطْحَرَا وَقَدْ آنَسَتْ مِنَّا قُضَاعَةُ كَالِئا ً.. فأضحَوْا بِبُصرى يَعْصِرُونَ الصَّنَوْبَرا قال الأكوع في طُرَّةِ تحقيقه لكتاب الإكليل: إنه ملك الشِّعر وأميره وحامل لوائه، وذكر رواية عُمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- أنه قال يوماً: من أشعر العرب؟ قيل: امرؤ القيس الكندي. قال ابن دُريد امرؤ القيس أول من شبّه الخيل بالظباء والسّرحان والنعامة، وهو أيضا أول من شبه الخيل بالعصا، ولشهرته سُجلت له ثلاث كُنى: أبو الحارث، أبو زيد، وأبو وهب، وثلاثة ألقاب: امرؤ القيس، الملك الضِّلِّيل، وذو القروح، وهو صاحب المثل الجاهلي المشهور "اليوم خمر وغداً أمر"، والمثل تقرؤه إن شئت في أمثال العرب للمفضل الضبي، أورد له ابن حبيب في كتابه المُحبِّر أنه أحد المتعممين بمكة مخافة النساء على أنفسهم من جمالهم، سجل شعره كثيرا من المواضع الجغرافية المهمة ومنها بيشة، فوصف أثلها الباسق الريّان المجاور للماء، فقال: ولم يُنسِنِي ما قَد لَقِيتُ ظَعائِناً .. وخَمْلاً لها كالقرِّ يوماً مُخَدَّرَاً كأَثْلٍ من الأَعْرَاضِ مِنْ دُوْنِ بِيشَةٍ .. ودُونَ الغُمَيْرِ عامِدَاتٍ لِغَضْوَرَا