تمثل رياض الأطفال المرحلة المهمة التي أصبحت الأسرة تتطلع إليها باهتمام بعد أن كانت مجرد مرحلة ترفيهية يقضي فيها الأطفال الوقت على غرار تجربة الحضانة حينما تكون الأم عاملة، إلاّ أن بعض الخبيرات في نمو الأطفال أكدوا على أهمية مرحلة رياض الأطفال على اعتبارها المرحلة التي يكتسب فيها المهارات السلوكية والمعرفية والعقلية، لكن المشكلة حينما يتخذ البعض من الروضات مرحلة اعتيادية يشوبها الكثير من الغياب لتلك البرامج المهارية، وهذا ما ذهبت إليه بعض الخبيرات والأمهات من أن بعض الروضات الحكومية مازالت قاصرة في أدائها عن تقديم المنتج الذي يساعد الطفل على أن يتطور مهارياً ومعرفياً، بصرف النظر عن قضية القراءة والكتابة التي يلقى الهم فيها الأكبر على الأم في المنزل، وهذا ما دفع الكثير من الأسر إلى تفضيل الروضات الأهلية على الحكومية حتى ولو اقتصر ذلك على مرحلة رياض الأطفال فقط، من أجل الرغبة في تأسيس الطفل بشكل يجعل منه قادراً على مواجهة المعلومات التعليمية في المرحلة الابتدائية، وهنا يبرز السؤال: ما حقيقة أن الروضات الحكومية ترضخ تحت الخط الذي يجعلها خارج التجويد والجودة من حيث تقديم التعليم المميز والمعلومات والبرامج المهارية اللازمة؟، في حين تتسابق الروضات الأهلية على التنافس في تقديم الأفضل في تعليم الصغار. تعبت كثيراً وقالت امتثال الحميد -ربة منزل-: تعبت كثيراً في البحث عن روضة لابنتي تكون مميزة، وذلك حرصاً مني ألا تكون رياض الأطفال مجرد وقت تقضيه ابنتي بعيداً عن المنزل، إلاّ أن المميز قليل مع الأسف، فالكثير من الروضات الأهلية يحرصون على ارتفاع المبلغ المالي وعلى أناقة الفصول للأطفال، وأن البرامج التعليمية المهارية غير مجدية، مضيفةً أن الروضات الحكومية قلة جداً نجد فيها التميز، وإن وجدت فللأسف يكون الأولوية فيها لأبناء المعلمين والمعلمات من قطاع التعليم، وتغيب عنها التنافسية، لاسيما في مستوى المعلمات اللاتي يتخذن من هذه المرحلة مجرد إشراف وتتبع للطفل يدفع الهم الأكبر على الأم في المنزل، لذلك فالتنافسية موجودة في الروضات الأهلية لكنها للأسف غائبة في القطاع الحكومي. بناء تربوي وأوضحت تهاني قدسي -مديرة رياض الأطفال بتعليم مكة- أن رياض الأطفال هي المنطلق الرئيسي للبناء التربوي والتعليمي في حياة أي شخص، ولن يكون هناك تعليم جيد دون الاهتمام بهذه المرحلة، فقد أثبتت الدراسات أن مدّ جسور التعاون بين كافة عناصر البيئة التي يعيش فيها الطفل أساسٌ في نجاح تربيته وتحقيق نموه الشامل، مضيفةً أنه يوجد مبادرة تطوير رياض الأطفال وتذليل كافة العقبات للحضانات والروضات تحقيقاً للتوسع الكمي والنوعي في هذه المرحلة سواء حكومي أو أهلي، مبينةً أن الطفولة المبكرة ورياض الأطفال إحدى الفرص مع رؤية 2030 بزيادة فرص حصول الأطفال على تعليم خاص عالي الجودة في بيئة تربوية جاذبة سواء حكومي أو أهلي، مشيرةً إلى أنه أطلقت وزارة التعليم برامج لتطوير معلمات رياض الأطفال والسلامة الشخصية لأطفال الروضة، وكيفية التعامل مع هذه الفئة الحساسة، وكذلك العديد من دورات النمو المهني للمعلمات والقائدات وجميع الكوادر التي تعمل في مجال الطفولة، مؤكدةً على أن الإقبال الشديد على تسجيل الأطفال في الروضات الحكومية عكس الجودة في الروضات الحكومية. إثراء معرفي وذكرت تهاني قدسي أن وزارة التعليم دعمت وشجعت الأسر على إلحاق أبنائهم برياض الأطفال والتي تبلغ حالياً مستويات متدنية بالسعودية (17 %) فقط، مضيفةً أن خطط الوزارة تسعى جاهدة إلى رفع هذه النسبة بمساندة القطاع الأهلي، وكذلك توفر مباني تطوير للروضات الحكومية، وإلحاق نسبة (64 %) من معلمات روضات مكة إلى برنامج تطوير معلمات رياض الأطفال ومعايير التعلم، مما أدى إلى وجود إثراء معرفي في المناهج، وتفعيل الأنشطة اللا منهجية، وتنفيذ رحلات أيضاً من قبل الروضات الحكومية، وهو ما أدى إلى الرقي في الخدمة التعليمية المقدمة، مبينةً أن تفعيل ساعة النشاط ساعد على تفعيل المواد الإثرائية والاستفادة من برنامج تجويد بيئات رياض الأطفال. تعلم ذاتي وأشارت تهاني قدسي إلى أن رياض الأطفال ركزت على منهج التعلم الذاتي كوحدات يتم فيها التركيز على تنمية القيم الإسلامية وهدفه مساعدة الطفل على تنمية سلوك إيجابي تجاه التعلم، وإشباع احتياجاتهم في مراحلهم الأولى، وتزويدهم بالعلم والمعرفة التي تنعكس بالتالي على حياتهم مستقبلاً، حيث يركّز على النشاط الذاتي للأطفال أنفسهم، حيث يتفاعل كل طفل مع الألعاب التربوية الهادفة المتوافرة في بيئته التربوية، ولدعم هذا المنهج أضفنا مبادرات عديدة منها منظومة القيم لتعزيز القيم وتأصيلها والقارئ الصغير والقاعدة النورانية لرياض الأطفال، أيضاً انطلقت الآن في الروضات الحكومية والأهلية برامج للكشف عن الأطفال الموهوبين وتقديم برامج «Steam» الذي يشمل العلوم والرياضيات والفن و»التكنولوجيا» معتمد على الذكاءات المتعددة لدى الأطفال. وأكدت على أنه لا يوجد فرق بين الخدمات التعليمية والأنشطة المنهجية واللا منهجية بين التعليم الحكومي والأهلي، مجرد فرق في الإعداد في بعض الروضات، فنحن في مرحلة توازن ولله الحمد بين القطاعين بدعم من وزارة التعليم في ظل تطوير مستمر للأدلة التنظيمية والإجرائية والمناهج بصفة دائمة، وفي تقديم الجودة العلمية والمستوى النوعي. برامج مهارية ورأت عواطف الغامدي -معلمة ومدربة مهتمة بتطوير مهارات الأطفال- أن رياض الأطفال لها أهمية كبيرة جداً، لذلك فإن المنافسة أصبحت موجودة بقوة في عالم مدارس رياض الأطفال، لا سيما على المرحلة التأسيسية، فالأم لا تستطيع أن تكشف عن جميع المهارات الموجودة في المنزل، خصوصاً مع انشغال الأم وانشغال الأب أصبحت رياض الأطفال وإلحاق الطفل بها أمراً ضرورياً، لذلك نجد الكثير من الأمهات يبحثون عن أفضل مكان يستطيع أن يقدم له جميع المهارات اللازمة من قراءة ومن كتابة ومن مهارة سلوكية واجتماعية، مضيفةً أن هناك الكثير من رياض الأطفال من تركز على بيئة الطفل من حوله بحيث تخصص الأسابيع كلاًّ بحسب موضوعه وأهميته، فهناك أسبوع يتعلق بتعليم أهم المهارات المتعلقة بالمسكن والعائلة ثم الأم والغذاء، وهناك أسبوع يتعلق بالمهارات المتعلقة بالمجتمع وبالبيئة، مبينةً أن رياض الأطفال في المنارات بجدة نموذج عن المكان المميز لدعم مهارات الطفل بخلاف الجانب الأكاديمي؛ لأن الجانب الأكاديمي يكتسبه الطفل طوال عمره من خلال ما يتعلمه من الحياة. وأشارت إلى أن التأسيس من حيث القراءة والكتابة مهم جداً، لكن تعلم المهارات من أهم الأمور التي يجب على الروضة أن تركّز عليها، لذلك نجد أن هناك روضات أطفالها مميزون من حيث الوعي الذي يتصفون به، بخلاف بعض الروضات التي لا تركز على مثل هذه المهارات، مؤكدةً على أن مثل هذه البرامج المهارية مهمة جداً ولا بد من التركيز عليها في التعليم في مرحلة رياض الأطفال وربما ذلك ما يدفع بعض الأمهات إدخال الطفل من عمر السنتين والنصف إلى رياض الأطفال حتى يكتسب مثل هذه المهارات. توجيه صحيح وأوضحت عواطف الغامدي أن واقع بعض رياض الأطفال في القطاع الحكومي عدم حرصها على الجودة، ولا تطمح إلى تنمية برامجها المهارية، فالمعلمة تكون قد وصلت إلى سن متقدم معه لا تستطيع أن تعطي للأطفال، فنجد بعض الممارسات الخاطئة في مثل هذه الروضات كقضاء الوقت للطفل في النوم، أو ربما أكل بملعقة غيره من الأطفال، كما أن الكثير من المعلمات ليس لديهن قدرة على إعداد أنشطة للطفل، فنجد المعلمة تجلس على المقعد في الفصل والأطفال في شغب، وربما هناك طفل يضرب الطفل الآخر وهي تشاهد بلا مسؤولية فيعود الطفل إلى المنزل وهو مجروح أو مضروب، داعيةً إلى ضرورة أن يكون هناك برامج مهارية على غرار تجارب بعض الدول في مرحلة رياض الأطفال كتخصيص يوم يجتمع فيه الأطفال مع أمهاتهم في ساحة كبيرة، يتم فيها تبادل المعرفة والمعلومات، ويتقدمهم أخصائي نفسي أو اجتماعي يجيب على أسئلة الأمهات المهمة عن هذه المرحلة، كما يتم تعليم الأمهات أهم الأناشيد التي تتعلق بالطفل والتي تستطيع أن تنشدها لطفلها لتنمي لديه الأحاسيس الجميلة، كما يمكن تبادل القراءة في مثل هذه المراحل، لافتةً إلى أن مرحلة رياض الأطفال مرحلة مكملة لما قبل المدرسة، إلاّ أنها مرحلة تحتاج إلى التوجيه الصحيح، بحيث تخرج من الإطار الربحي والمادي الذي يسعى له بعض رياض الأطفال الأهلية، في حين نحتاج إلى التقليل من كبيرات السن في رياض الأطفال الحكومية؛ لأنها لا تستطيع أن تعطي وتقدم الكثير. بعض رياض الأطفال أثبتت نجاحها في طرق التعليم