إذا توقفنا قليلاً عند مفهوم التطرف، فإننا سنلحظ أن جوهر التطرف هو التعصب لفكرة ما، بهدف إقصاء أي فكرة مقابلها، وأيّاً تكن هذه الفكرة أو الأفكار. هذا من حيث المبدأ ببساطة. وبالتالي فإنه يجب ألا يفوتنا أن التطرف لا ينحصر بشكل أيديولوجي ثابت، بل يمكن أن يمتد إلى عدة مسارات لا يقلّ خطر أحدها عن الآخر، بما أن روح التطرف هو التعصب، وبذلك يمكن أن نضع أشكالاً عدة للتطرف بجوار المفهوم الأول الذي سرعان ما يتبادر للذهن عادةً، حيث إن التطرف الديني والتطرف المذهبي والتطرف القبلي والتطرف المناطقي والتطرف العرقي العنصري، وكذلك التطرف ضد المرأة مثلاً. كل تلك الأشكال هي مفاهيم ماثلة وبسيطة التعريف للتطرف الذي يشتمل في أساسه على روح التعصب والإقصاء وتهميش الآخر؛ وبالتالي الضرر البالغ على قيم المواطنة والانتماء وروح الانسجام الوطني المشترك بين أبناء الوطن الواحد. لقد سُررتُ جداً بعد تدشين حساب الإدارة العامة لمكافحة التطرف على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وآمل أن تمتد أنشطتها التوعوية إلى أبعد مدى ممكن، بحيث تنشط بصورة مركزة في شراكات حقيقية مع التعليم والإعلام، وكذلك الإعلام الجديد، فضلاً عن مختلف الأنشطة المجتمعية الميدانية والأفلام القصيرة بهدف إحداث الدعاية التي تليق بهذه الرسالة العظيمة في مكافحة التطرف وتعزيز الاعتدال والوسطية، والتي إن تحققت أهدافها سنكون قد وضعنا أقدامنا على طريق التنمية الراسخة والنهضة الشاملة التي لا يمكن أن تقف دون البنية التحتية اللازمة من الوعي بالعصر وإدراك منطق المستقبل، والذي يكمن في ترسيخ التسامح والتعايش والاعتدال والقضاء على مغذيات التطرف والجنون. الشراكة المأمولة يمكن أن تتجاوز المؤسسات الحكومية المتعددة إلى شراكات مع المؤسسات المجتمعية، فالقبيلة مثلاً مؤسسة اجتماعية قائمة يمكن أن تكون بيئة جيدة لبثّ مختلف القيم الوطنية السامية، ومنها التنبيه على مخاطر التطرف، ويمكن لشيوخ القبائل أن يؤدوا الدور المطلوب بمسؤولية مثالية إذا تم وضع استراتيجية بعيدة المدى لهذا الأمر. المقترحات في هذا الشأن فائضة ولله الحمد، وربما ليس هنا مجال لطرحها، ولكن المقترح الأبرز مرحلياً هو أن يكون هناك مؤتمر عام لطرح مختلف المقترحات التي ستساعد في وضع تصورات كثيرة قبل أن تبدأ الإدارة العامة لمكافحة التطرف في مباشرة مهامها، إضافة إلى الحملة الإعلانية المخصصة لبدء انطلاق عمل هذه الإدارة، حيث إن هذه الحملة نفسها وإن كانت دعائية إلا أنها بحد ذاتها ستحمل رسالة الاعتدال تلقائياً، وستوصل كذلك رسالة مهمة لكل من يحمل في أفكاره مقداراً من التطرف، وهذه البداية ستمهد الكثير والكثير لعمل هذه الإدارة. أخيراً.. هناك الكثير من البناء الذي تتطلبه مفاهيم الاعتدال، وهناك الكثير من مقتضيات التصحيح المفاهيمي لهذه المفردة، وأعتقد أنه لا يكفي مجرد صياغة اللوائح التنظيمية لعمل هذه الإدارة دون الخوض، وبشكل موسع، في عمق تفاصيل المصطلح وكافة أبعاده، وأن يدور حول ذلك نقاش شامل يمكن أن يقيمه مركز الحوار الوطني أو أي جهة مماثلة، وذلك قبل صياغة المسار العام للعمل، بحيث لا يكون هناك أي خطأ مستقبلي بتفسير مفردتي اعتدال أو تطرف. وكل الأمنيات للقائمين على هذه الإدارة بالتوفيق والعون والمساندة الإلهية لهذه الرسالة العظيمة التي سيحملونها من أجل مستقبل حياة الأجيال القادمة.