يحدثنا السويسري بوركهارت في العام 1809م ضمن كتابه الصادر عن دارة الملك عبدالعزيز "ملاحظات عن البدو والوهابيين" ترجمة د. عبدالله العثيمين في حديثه عن العلوم والموسيقى والشعر لدى البدو بأن الشعر لا يزال مقدرًا لدى العرب وكثيراً ما لقب الشاعر بصاحب قول بدلاً من شاعر ومواهبهم الشعرية يعبر عنها على العموم بإلقاء أبيات تمتدح شيوخهم أو بعض محاربيهم المتميزين أو جمال عشيقاتهم مبيناً أن كل نوع من الشعر يسمى قصيد "الشعراء انفسهم يصنفون أنفسهم بين شاعر وقصاد وهو أقل من الشاعر" ويمضي بوركهارت بأن شعراء تلك المرحلة يعرفون من الشعر الذي سبقهم الكثير من السير والملاحم الأدبية وذكر سيرة عنتر بن شداد واصفاً هذه السيرة بأنها عمل ممتاز، وكذلك سيرة الزير سالم إضافة إلى أربع سير أو خمس مشابهة مؤلفة باللهجة البدوية الحقيقية وتروى في المناسبات حتى قال: وحينما يلقي العنزي القصيدة يصحب صوته بالربابة التي هي الآلة الموسيقية الوحيدة في الصحراء تتفاعل معها مشاعر البدو أكثر وأكثر ويضيف إلى هذه الجزئية بأن أهالي الجوف يشتهرون بمواهبهم الشعرية والموسيقية بالاعتماد على الربابة ويزور بعض شعرائهم شيوخ قبيلة عنزة هناك من وقت لآخر كي يلقوا قصائد المديح ويغنوا في بيوت هؤلاء الشيوخ ويحصلون على بعض المكافآت الزهيدة لكن شعراء القبيلة نفسها لا يقبلون أبداً أي مكافأة مقابل مدح أو تسلية رفاقهم.. ثم يمضي إلى أن أغاني الرجال الوجدانية ذات صفات مختلفة فأغاني الحب يقال لها "هجيني" وهنا يصحح المترجم المعلومة إلى أن الهجيني قد يكون معبراً عن الحب وقد يكون معبراً عن أمور أخرى لكن التسمية آتية في أصلها من كونه يغنى على ظهور الإبل ووفق إيقاعاتها واستطرد بوركهارت إلى أن الحب العربي في جزيرة العرب ليس مغلفاً في الغموض كما هو عند الأوروبي فالهدف منه معروف لدى القبيلة كلها وسره الوحيد هو لقاؤه بمحبوبته وهو ما تهيئة الأودية الكثيرة المنتشرة في كل اتجاه من الصحراء والآبار التي تؤمها النساء لجلب الماء التي لا تزال الأمكنة المتاحة والمفضلة للمواعيد "جرت العادة أن يتمركز الفتيان عند موارد المياه التي تقصدها الفتيات لسقيا مواشيهم ويستمرون في جذب الدلاء لملأ قدور وقرب ماء الفتيات اللاتي يتهافتن عليها في هذا الوقت". أما في حال عدم قدرة العاشق على النوم في الليل بسبب هجر أو طول انقطاع فإنه يغادر فراشه قاصداً مجلس الرجال في الخيمة التي تسكن فيها عشيقته هكذا يقول بوركهارت, أو يقصد خيمة صديق له بالقرب منها. مصحوباً بربابته أحياناً ثم يبدأ بالغناء ويستمر بقية الليل وأصدقائه من حوله إلى بزوغ الفجر, والفتيات بجانبهم يفعلن الشيء نفسه في بعض الأحيان يغنين السامري الذي لا يتغير لحنه لكن إيقاعه وتنغيمه مختلفان جداً عن كل ما يسمعه الأوروبيون من الموسيقى حتى في المدن التركية وهن أيضاً يغنينه أي السامري في مناسبات كالأعياد والأفراح عند ما يتخذ في المساء مكاناً قريباً خلف الخيام ويقسمن أنفسهن إلى مجموعات من ست نساء أو ثماني أو عشر ينقسمن وتبدأ مجموعة بالغناء وتعيد الأخريات نفس البيت وهنا يقال "البنات يلعبن السامري" ويخترن القصائد التي تصف الشجاعة والكرم وتؤدى بحركة سريعة أو بطيئة وفقاً لسرور المغنية وجرت العادة أن تردد المجموعة البيت الأول والثاني خمس أو ست مرات لكن البيت الثالث الذي يشتمل دائماً على اسم أحد المحاربين المميزين يعاد غالباً حتى خمسين مرة وعلى أي حال فإن النساء ينطقن ذلك الاسم بطريقة تجعل من الصعب على الرجال الذين يستمعون إليهن في هذه الأثناء أن يعرفوا من هو ذلك السعيد المخلد الاسم. ويصل بوركهارت في جزئية أخرى من الكتاب الى أن الكثير من قصائد الحب التي ينظمها الشعراء العرب وهم يخاطبون محبوباتهم يمكن أن تميز بيسر مشاعر الحب الهابط. فبدلاً من إظهار مزايا عقل المرأة وقلبها وقيمتها الحقيقية يصف جمال شكلها "مفاتنها الجسدية.. الصدر.. الأرداف.. الكتف.. الساق.. وغيرها" أو تشوقه الجامح إلى تملكها مبيناً وهو ما لم يوافقه عليه المترجم بأنه لم يجد في قصائد الحب المنظومة حديثاً في قصائد عرب المدن إلا القليل مما لن يرفضه العقل الأوروبي الراقي بازدراء.