في تراث كل شعب وأمة تجد ادعاءات خلود - وعدم وفاة - لشخصيات حقيقية أو وهمية.. حتى في الثقافة الغربية التي ابتعدت كثيراً عن الجانب الخرافي تجد شخصيات مثل سانت جيرمان الذي يدعي البعض بقاءه على قيد الحياة منذ ولادته العام 1712.. ونفس القصة تتكرر في كل ثقافة بتعديلات بسيطة؛ فنحن مثلاً لدينا الخضر الذي رافقه موسى عليه السلام وادعاءات بعض المفسرين عيشه آلاف الأعوام.. ولدينا أيضاً حديث الجساسة "الذي رغم وروده في صحيح مسلم" إلا أن متنه يخالف آيات وأحاديث صحيحة تؤكد عدم خلود أحد "وابحث في اليوتيوب عن رأي الشيخ ابن عثيمين في حديث الجساسة".. .. المسألة بكل بساطة هي أننا نملك في داخلنا رغبة دفينة بالخلود تعود إلى أيام أبينا آدم وأمنا حواء اللذين حاول الشيطان إغواءهما بقوله (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين).. أضف لذلك هناك ميلنا لإنكار وفاة من نحبهم أو نتمنى بقاءهم إلى الأبد بدليل عمر بن الخطاب الذي رفع سيفه مهدداً: من قال إن محمداً مات قتلته بسيفي هذا؛ فذكره أبو بكر بقوله تعالى (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)... وليس أدل على تعلقنا بادعاءات الخلود من تكرارها حتى اليوم في أكثر المجتمعات المادية تقدماً.. فكثير من الأميركان مثلاً يؤمنون بأن إمليا إيرهارت "التي اختفت طائرتها العام1937" ومغني الروك ألفيس برسلي "الذي توفي العام 1977" ورئيس العمال جيمي هوفا "الذي اختفى في يوليو 1975" وحتى مايكل جاكسون "الذي توفي 2009" مايزالون أحياء ولكن بشخصيات مزورة.. وفي ألمانيا يؤمن النازيون بأن هتلر لم يمت وأنه فبرك حرق جثته العام 1945 ومايزال يعيش في الأرجنتين. أما في فرنسا فيؤمن أنصار الملكية بأن الطفل لويس السابع عشر "الذي تم سجنه بعد الثورة الفرنسية" مايزال حياً بفضل بركة نالها من بابا الفاتيكان!! ولكن الحقيقة هي أن الموت هو الثابت الوحيد في الحياة.. يتجاوز المعتقدات والعواطف، ويؤكد أن الخلود لم يكتب للجساسة ولا الخضر ولا لأحد من الخلق بدليل قوله تعالى (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد، أفإن مت فهم الخالدون)!!