أصبحت الرياضة في الوقت الراهن صناعة ومشهداً ثقافيا ظاهراً، ولم تعد متابعتها مقتصرة فقط على الرياضيين، فهناك آخرون ليسوا في الوسط الرياضي وأصحاب مسؤوليات ومهام بعيدة عن الرياضة، لكنهم يعشقونها ويتابعون تفاصيلها. وتكشف البطولات الكبرى لكرة القدم، عن التفاتة رجال السياسة والثقافة إلى ذلك المعشب الأخضر الجذاب، فيتحول رجال الصف الأول في البلدان مع المثقفين في لحظات إلى مشجعين من الدرجة الأولى في مدرجات الملاعب أو مهتمين خلف شاشات التلفاز. يحضر الكثير من الساسة إلى مدرجات الملاعب خلف منتخبات بلادهم للدعم والمؤازرة، و»دنيا الرياضة» تكشف الوجه الكروي لغير الرياضيين عبر هذه الزاوية التي تبحث عن المختصر الرياضي المفيد في حياتهم، وضيفنا اليوم عضو هيئة التدريس في قسم الأدب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، د. فواز بن عبدالعزيز اللعبون. * رجال الإعلام الرياضي ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أصحاب السقف الأعلى في حرية الرأي، ما رأيك في ذلك القول؟ * أؤمن بهذا القول حاليا؛ ولا سيّما أن أهل المجالات الأخرى (دين، سياسة، اقتصاد، نقد،...) يفضلون تهذيب آرائهم وتلطيفها لاعتبارات متنوعة، في حين أن الإعلام الرياضي يتسع صدره كثيراً للصراحة والمباشرة. o بنظرك، لماذا لم تعد الصحافة الرياضية تخرج بعض قادات الإعلام؟ * ربما لأن جملة من الصحفيين الرياضيين هواة، لا يستطيعون ممارسة العمل الصحفي باحتراف، وقد ظهروا ووجدوا الساحة خالية. o بأمانة، ما الفارق بين الصحافي الرياضي، وزملاء مهنته في المجالات الأخرى؟ * بصراحة يغلب على عدد من الصحفيين الرياضيين نوع من الأمية المعرفية، وكأن أحاديثهم أحاديث مجالس ومَقاهٍ لا ترقى أبداً إلى العمل الصحفي المؤهل، ولعل سبب ذلك أنهم لم يحرصوا على تطوير قدراتهم الصحفية، ولم يطلعوا على تجارب صحفية ناجحة في الأقطار الأخرى، وربما لأن بعضهم وجد في التلقائية أصداءً جعلت منه نجماً بين جماهير يشبههم ويشبهونه، ولا أنكر أن لدينا صحفيين نماذج في التميز والاحتراف، لكن جماهريتهم محدودة، وهذا الأمر يحمّل الجمهور نسبة من المسؤولية، فكما يكون جماهير الرياضة يكون الصحفيون. o هل يشدك أحد الإعلاميين في الساحة الرياضية؟ * لا شك، وثمة إعلاميين محترفين متميزين أداءً وذكاءً واتزانا، وحسبي أن أذكر صفاتهم وإن لم أذكر أسماءهم. الاستنقاص من الآخرين هو قدح في الذات.. والإعلام الرياضي يتسع صدره للصراحة والمباشرة كنت أنظر للرياضة نظرة دونية واكتشفت خطأ رؤيتي.. والحكم منحني البطاقة الصفراء لثقتي في البعض * هناك لهجة سخط وتندر على التعصب الرياضي، هل تصادف تلك النعرة العصبية في السوشال ميديا؟ * لن أكون مثاليّاً أكثر مما يجب، وسأكون واضحا.. التعصب للأشياء طبيعة بشرية لا يمكن القضاء عليها، لكن يمكن تهذيبها، فلا شيء يمنع من أن أتعصب لما أُحِب، وأدافع عنه، وأؤكد تميزه وأفضليته، لكن دون أن أتهجم على المنافِس؛ لأنني إن تهجمتُ على المنافس تهجَّمَ عليّ بمثل طريقتي أو أشد، وحينئذ يحتدم بيننا صراع سلبي يستنزفني ويستنزفه، ويؤخرني ويؤخره، وكان بإمكان كل منا أن يعتز بما يحب ويفخر به ويدافع عنه دون استنقاص للمنافِس، وقد كان العرب قديما لا يستنقصون خصومهم، لأن استنقاص الخصم استنقاص للذات، فكلما كان خصمك تافهاً كان انتصارك عليك تافها، وكلما كان خصمك عظيما كان لانتصارك عليه ألف معنى عظيم، ولم تكن هذه الفكرة لدى العرب وحدهم فقط، بل كانت الشعوب الأخرى تؤمن بها، وقد جاء في «محاضرات الأدباء» للراغب الأصفهاني أن الإسكندر المقدوني رأى جيشاً مقاتِلاً من النساء المحارِبات، فصَدَّ عنه، فلامه جنده، فقال: هذا جيش إن غلبناه فما لنا من فخر، وإن غلبَنا فتلك فضيحة الدهر! * هل حدث أن تأثرت حالتك المزاجية أثناء متابعة إحدى مباريات كرة القدم؟ لست متعصباً.. أفرح لفوز فريق أحبابي وأواسيهم عند خسارته الرياضيون رسل سلام وعليهم استيعاب مفهوم الشهرة عطاء اللاعب مؤقت ومحصور.. وعطاء الأديب خالد * أبدا ابدا، لست من المتعصبين الرياضيين نهائيا، ولا أجد في نفسي حماسةً تشجيعية كالتي أجدها لدى كثيرين، وقد أميل وجدانيّاً إلى فريق لأن لي أحباباً يشجعونه، فأفرح إن فاز فرحاً بفرحة مَن أُحِبّ، وأواسيهم إن خسر، ولا يتغير من مزاجي شيء. o للاعبي كرة القدم شهرة واسعة لدى صغار السن، كيف يمكن أن تكون شهرة لاعبي الكرة طريقا لتكريس السلوك الحضاري في حياة النشء؟ * قديماً كان المعلم وحده قدوة للنشء، ومؤخرا انتقل جزء كبير من هذه القدوة إلى المشاهير بمختلف مشاربهم، وعلى رأسهم مشاهير الرياضة، فصرنا نرى النشء يعرف كل تفاصيلهم، ويحاكيهم في الشكل والملبس والشخصية، لذلك أرى من الضروري أن يستوعب المشاهير هذه المسؤولية، ويعوا أنهم رسل سلام، ويقع عليهم جزء من مسؤولية النهوض بالجيل، وثمة مسؤولية أخرى تقع على كاهل المؤسسة الرياضية التي ينتمي إليها المشاهير، وهي مسؤولية تحتم عليها أن تفرض حدا من الانضباط يجب على المنتمين إليها مراعاته. * في الرياضة يحصد الفائزون والمبدعون الكؤوس، فما الذي يقابل ذلك لدى المبدعين في المجالات الأخرى ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا؟ * هذا التفاوت في الأرزاق والأقدار والحظوظ من طبيعة الحياة، وقد يحصل لاعب على ثروات طائلة، وتقدير عظيم، وجاهٍ واسع، ولا يجد أديب ضخم فخم شيئاً من هذا، على أن عطاء اللاعب مؤقت محصور في جيله، وعطاء الأديب خالد تتناقله الأجيال، وهذه حكمة إلهية تصعب فلسفتها، والأفضل أن يعمل كل منا على شاكلته، ويسعى إلى التميز في مجاله، ويدع الأقدار لله يصرفها كيفما شاء دون سخط واعتراض. * هل تنادي لأن تكون الرياضة للصحة والمتعة، أم تدعو إلى استمرار الاحتراف، رغم اتهام المال بإفساد اللعبة؟ * يمكن أن تحقق الرياضة جملة أهداف، وحصرها في هدف أو هدفين خنق لها، فمؤخراً أصبحت الرياضة واجهة للدول، واللاعبون صاروا قدوات للنشء، وجماهيرها كيانات تؤثر وتتأثر، فالاستثمار الذكي في كل هذا قد يصنع تميزاً ونهضة. o إذا ظهر بين أبنائك لاعب موهوب، هل ستشجعه لتطوير موهبته، أم تسحبه إلى محيط آخر؟ * لا يمكن أن أفرض ميولي الشخصية على ابني، لكن لا بد من مناقشته، وتوجيهه، وشرح الإيجابيات والسلبيات له، ثم أترك له اتخاذ القرار، فإن قرر أمراً شجعته عليه ودعمته ليزداد نجاحاً على نجاح. o ما رأيك بالنتائج التي حققها المنتخب السعودي في كأس العالم؟ * المنتخب السعودي عريض التطلعات، ويدعمه في ذلك تاريخ عريق من البطولات، وجمهور طَموح لا يرضى بالقليل، لذلك ستظل النتائج التي حققها المنتخب السعودي في كأس العالم أقل من المنتظَر، ولو كانت أفضل مما كانت فهي أيضاً أقل، وهذا بحد ذاته انتصار من نوع آخر، فمن لا يرضى بالقليل كبير يعرف أن إمكاناته أكبر، والقادم بإذن الله أجمل. o ما المنتخب العالمي الذي شدك في طريقة لعبه؟ * ربما منتخب فرنسا. o بين زملاء مهنتك، مَن اللاعب البارز على الساحة التي تنتمي إليها؟ * كل زملائي في تخصصهم نجوم لامعة، وشموس ساطعة. o هل ترى ثمة تشابهاً بين حكم المباراة ووزارة الإعلام؟ * حَكَم المباراة يحسم الإشكال في ثوانٍ معدودات، ووزارة الإعلام قد تحتاج إلى أيام وأعوام. *هل يمكن أن تندرج النظرة القاصرة للرياضة تحت عنوان كتاب المفكر إبراهيم البليهي وأد مقومات الإبداع؟ * قديماً كنت من أولئك الذين ينظرون للرياضة نظرة دونية بصفتها مجالاً هامشيّا، ومؤخراً تبين لي أن الحياة تتسع للجميع، وأن الإبداع ليس حكراً على أحد أو فن، ولا بد أن يستوعب المثقف أن الناس متفاوتو الميول والمشارب، ولا يمكن أن نصنع منهم صوراً متشابهة، ومرحباً بكل مجال نظيف شريف. *بعد إقرار وفاعلية الرياضة النسائية، ماذا ينقصها لتكون أكثر تألقاً؟ * ربما ينقصها أن نتركها للنساء يُدِرنَ أنفسهن بأنفسهن، ويصنعن ما يناسب خصوصيتهن وقدراتهن. * بين القمر والشمس هل هناك ثمة مكان لميولك؟ * لي مجلس عامر على نجمة بين الشمس والقمر أمارس عليها جنوني وفنوني، ولا سيما بعد أن جاءتني عقدة من القمر منذ قلتُ هذه الأبيات: شبّهتُ حسنائي التي أحببتُها = بالبدرِ فاكتأبَتْ وطال بكاؤها قالت: ظَلَمْتَ الطُّهرَ كيف جعلتَني = في الجوِّ سافرةً يُهانُ حياؤها والبدرُ يُدرِكُهُ الخُسوفُ فيَنطفي = ومحاسني لا تنطفي أضواؤها فعلمتُ حينئذٍ بأن حبيبتي = نَفْسِيّةٌ ومِن المُحالِ شِفاؤها! * لمن توجه الدعوة من الرياضيين لزيارة منزلك؟ أتشرف بجميع اللاعبين دون استثناء، وبخاصة لاعبي المنتخب، وفي مقدمتهم رئيس هيئة الرياضة صاحب المعالي تركي آل الشيخ لأسمعه بعض القصائد التي أعرف أنه يحبها، وسبق أن أثنى عليها، وأعرف أنه سيرد عليها شعرا، ويبتسم لها كعادته. * هل سبق وأن أقدمت على عمل وكانت النتيجة تسلل بلغة كرة القدم؟ * نعم، سبق أن أحسنت ظني في أناس، فأخبرني الحكم أنني قمت بعمل خاطئ، وأخرج لي بطاقة تحذيرية صفراء. * ما هي المساحة الحقيقية للرياضة في حياتك؟ * لست متعصباً رياضياً كما أسلفتُ، ولا أحرص إلا على متابعة المنتخب، أو فريق أجامل في تشجيعه الذين أحبهم. o متى كانت آخر زيارة لك للملاعب السعودية؟ * ربما من ثلاثين سنة حين افتتح ملعب الملك فهد الدولي، وهي الزيارة الأولى وأظنها الأخيرة. * لأي الأندية تدين الغلبة في منزلك؟ * كل أهل بيتي يشبهونني، ولا أحد منهم له تعصب رياضي، لكننا نميل إلى نادٍ رياضي يتعاطف معه والدي حفظه الله، ومن البر به أن نظهر تعاطفنا مع ناديه المفضل. o البطاقة الحمراء في وجه من تشهرها؟ o في وجه كل وصوليّ يدخل القلب بتأشيرة صديق. o والبطاقة الصفراء في وجه من تشهرها؟ o في وجه كل متطفل يتدخل فيما لا يعنيه، أو يعرض عليّ رأياً لم أطلبه منه. *إن قيض لك اقتحام المجال الرياضي ما الأمر الذي تحسب له ألف حساب؟ * أكثر ما يخيفني في المجال الرياضي نهاية اللاعب؛ فبعد المجد والثراء والصيت ينتهي في الغالب نهاية صامتة، ولا يشعر به أحد. o وهل ترى بأن الرياضة ثقافة وإن كانت كذلك فكيف نتعامل مع تلك الثقافة على الوجه الأكمل؟ * يمكن أن نجعل من الرياضة ثقافة، وواجهة لها، وما زلنا نمدح الأخلاق السمحة ونقول عنها «أخلاق رياضية» دلالة على التغاضي والتسامح، وقبل مدة كنت في سيارة أجرة في دولة أوروبية، وكان يظهر عليّ شيء من انفعال وضيق، فقال لي سائق السيارة: من المؤكد أنك لست رياضيا، ولا اهتمام لك بعوالم الرياضة، فقلت له: كيف عرفتَ ذلك؟ قال: الرياضيون يرمون وراء ظهورهم، وسرعان ما يتجاوزون أزماتهم. كان درساً بليغاً من السائق تعلمت فيه أن الرياضة يمكن أن تصنع ثقافة وأخلاقا. أدعو تركي ال الشيخ إلى مائدتي تابعت منتخب فرنسا في مونديال روسيا منتخبنا لم يظهر بصورته المعهودة في روسيا