احتفاءُ الصحراء ببياض السحاب في السماء مقدمة لاحتفال كوني بعرس الصحراء حين يهطل عليها الغيث ويأتيها المطر.. تتجمل الصحراء بوشاح السحاب كل سحابة تتهادى مشرفاً ذراها، تحن أولاها على أُخراها استعداداً لعرس بهيج تحتفل به، وفيه، كل الكائنات، من نبات وأعشاب، وزهور وطيور وغزلان ووعول ونعام، وجِمال وجبال، وهاد ونجاد، ماعز وخراف، حتى الوحوش تصاب بالابتهاج والدهشة فتعلو رؤوس الجبال مع الغزلان والوعول في سعادة وسلام كضيوف مدعوين موعودين بالسرور الخصب والنماء، احتفال كوني تشارك فيه الأرض السماء، أضواؤه الساطعة البروق، وطبوله المتواصلة الرعود، وعريسه الجميل المطر، وعروسه المشتاقة هي الصحراء التي تتفتح مسامّها لدخول قطرات المطر، وتحتفي أنسامها برقيق الماء، وتغرّد أطيارها برحيق الندى، وتتمايل أشجارها تُحْيي العرس الكبير بالرقص المتواصل وتجري وديانها بأجراس الخرير لتلد الغدير وتعدّ الرياض والفياض بالماء النمير والعشب النضير، فلا الصحراء هي الصحراء، ولا الأشياء هي الأشياء، كل شيء تغيّر.. كل شيء غنّى.. حتى التراب الجاف ديّت فيه الحياة، وفاحت منه رائحة اختلاط التراب بالمطر، تلك الرائحة التي لا ينساها أبداً من شمّها وهو طفل، فهي لا تكاد تعود وتجود بها أجواء الصحراء حتى تُعيدنا إلى فضاء الطفولة المغسول بالبراءة والمغزول من جدائل الفرح الرقيق الذي ينفذ إلى أعماق الأعماق، ويملأ الخلايا والحنايا، وينشر الابتهاج والاحتفال بالحياة.. أما ترى الغيث قد سالت مدامعه كأنه عاشق يسطو به الذكرُ . ولا شيء يسعد عرب الصحراء كهطول المطر بعد جدب، وحياتها بعد موت، ووعدها بالندى والجمال والجو العذب وتناسل الخصب، حيث تشبع المطايا والخراف، ويسمن الحلال بعد هزال، وتتحوّل الصحراء الشهباء إلى جنّة خضراء، بساطها العشب النضير، وفوقه أنواع النبات البري والزهور، ويخصب المرعى على مدّ النظر، ويتوفر الماء العذب في كلّ الأنحاء ويبدو الوجود في أصبى صباه، وأبهى بهاه، فسعادة الأعراب بالغيث العميم يهطل من السحاب الثقال، ويعلن بدء الاحتفال الكوني بحياة الصحراء، ويعطي شارة الانطلاق للابتهاج، وبشارة النجاة من الجدب والجفاف، لذلك حمل العربي حب المطر معه أينما حلّ وارتحل، وقال في وصفه وحبه ما يملأ المجلدات.. سَقْوى إلى حقّت علينا السحابه واخضرّ كلّ معذر من هضيبه أما ترى الغيث قد سالت مدامعه كأنه عاشق يسطو به الذكرُ جاءت موقرة الأطراف خاشعة تكاد تؤخذ بالأيدي فتعتصر راحت رياح الصبا ينظمن عارضها حتى إذا نظمنه ظل ينتثر أضحت له الأرض سكرى والثرى طرب والأفق مبتسم والجدب مستتر (الحسين بن دعبل) لتُلقحه ريحُ الجنوب وتقبل الشمالُ نتاجاً والصبا حالبٌ يمري بل هل ترى عارضاً قد بتُّ أرمقهُ كأنما البرقُ في حافاتهِ شُعَلُ(1) لهُ رِدافٌ وجَوزٌ مُفْأَمٌ عملٌ منطَّقٌ بسجالِ الماءِ متصلُ(2) حتى تحمّل منه الماء تكلفةً روضُ القطا، فكثيب العينة السِّهلُ (3) فَالسّفْحُ يَجرِي فخِنزِيرٌ فَبُرْقَتُهُ، حتى تدافعَ منهُ الرّبوُ، فالحُبَلُ(4) قالُوا نمَارُ، فبَطنُ الخالِ جَادَهُما فالعَسْجَدِيّة ُ فالأبْلاءُ فَالرِّجَلُ(5) يَسقي دِياراً لَها قَدْ أصْبَحَتْ غَرَضاً زُوراً تجانفَ عنها القودُ والرَّسلُ(6) (الأعشى) سَقْوى إلى حقّت علينا السحابه واخضرّ كلّ معذر من هضيبه ووادي حنيفه مد حبل الرجا به جَمّه على الطيّه يخضه عسيبه وديارنا اللي في ملاقي شعابه يرجع لها عقب الشهابه عشيبه حتى النخل يشتاق حي مشى به باطراف سبحاته تنوح الربيبه (العريني) .1 العارض: السحاب المعترض في الأفق. 1. رداف: سحاب متراكم (مترادف)، جوز: وسط، مفأم: عظيم 2. روض القطا مكان باليمامة والعينة العيينة الآن، وتروى بالغين 3. الربو: الرابية والجبل موضع باليمامة 5.نمار والعسجدية وبطن الخال مواقع باليمامة والأول معروف في الرياض 6.القود الخيل والرسل الإبل Your browser does not support the video tag.