قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. أسامة خياط، إنَّ في قولِ ربِّنا عزَّ اسمُه في وَصف المتَّقينَ (ومما رزقناهم ينفقون) فوائدَ وأسرارًا بيَّنَها أهلُ العِلْمِ بالتَّفسيرِ بيانًا حسنًا وافيًا، ففيها إشارةٌ إلى أنَّ هذه الأموالَ التي بين أيديكم ليسَتْ حاصلةً بقوَّتِكُم ومِلْكِكُمْ، وإنَّمَا هي رِزْقُ اللهِ الذي خوَّلَكُم، وأنْعَمَ به عليكم، فكما أَنْعَمَ عليكُمْ وفضَّلَكُم على كثيرٍ مِنْ عباده، فاشكروه بإخراجِ بَعْضِ ما أنعم به عليكم، وواسُوا إخوانَكُم المُعْدِمين. وأضاف في خطبة الجمعة يوم أمس من المسجد الحرام بمكةالمكرمة، أنَّ الله تعالى كثيرًا ما يَجْمَعُ بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة؛ لأنَّ الصَّلاةَ مُتَضَمِّنَةٌ للإخلاص للمَعْبُود، والزَّكَاةُ والنَّفَقَةُ مُتَضَمِّنَةٌ للإحسانِ إلى عَبِيدِه، فعُنْوانُ سعادةِ العَبْدِ: إخلاصُه للمَعْبُودِ، وسَعْيُه في نَفْعِ الخَلْقِ. وتابع الشيخ خياط: دلَّ ربنا سُبحانه على أنَّ الذين يَصِحُّ وصفهم بأنهم على نور من ربهم، وبرهان واستقامة، وسداد بتسديد الله إياهم وتوفيقه لهم، وأنَّ الذين يصحُّ وصفهم بأنهم «المفلحون» أي الذين أدركوا ما طلبوا، وسلموا مما منه هربوا، إنما هم على الحقيقة «المتقون» الذين اتقوا الله تبارك وتعالى في ركوب ما نهاهم عن ركوبه، واتقوه فيما أمرهم به من فرائضه، فأطاعوه بأدائها، وهو بيانٌ لواقعهم، وأن هؤلاء المتقين قد خصَّهم ربُّهم عزَّ وجلَّ بصفاتٍ توضح حالهم، وترشد إلى جميل خصالهم، وتستنهض الهمم إلى اللحاق بهم، بانتهاج نهجهم، وسلوك سبيلهم. وبين أنَّ أُولَى هذه الصفات التَّصديقُ بالغَيْبِ قَوْلًا واعْتِقَادًا وعَمَلًا، فآمَنوا بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وما فيه من بعث وحشر وحساب وثواب وعقاب وصراط وكرسي وعرش وجنة ونار، وآمَنُوا بالحياة بعد الموت، وثاني صفاتِهم أنَّهُم يقيمون الصَّلاة؛ بأدائها بحدودها وفرائضها الظاهرة منها من تمام ركوعٍ، وسجودٍ، وقيامٍ للقادر عليه، وتلاوةٍ، وتسبيحٍ، وتحميدٍ، وصلاة على النبي، وغيرِ ذلك من أركانٍ وواجباتٍ وسننٍ وآدابٍ. وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام: ثالث صفاتهم أنهم كما قال الإمام محمد بن جرير الطبري - رحمه الله -: «لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدِّين، زكاةً كان ذلك أو نفقةَ مَنْ لَزِمَتْه نفقتُه، من أَهْلٍ وعِيالٍ وغيرهم»، ومن صفاتهم أيضاً التصديق الجازم الذي لا يتطرَّق إليه شك بما جاء به النبي عن ربه عز وجل، وبما جاء به المرسلون من قبله، لا يُفرِّقون بين أحد منهم، ومن صفاتهم: أنَّهم موقنون بما كان المشركون به جاحدين؛ من البعث والنشور والثواب والعقاب والحساب والميزان والصراط والجنة والنار، وغير ذلك مما أعد الله لخلقه يوم القيامة. وأختم بالتأكيد على أن هؤلاء المتقين أصحاب هذه الصفات الجليلة، والخصال الجميلة هم المستحقون بأن يوصفوا بأنهم (على هدى من ربهم) أي على نور منه وبرهان، واستقامة وسداد، بتسديد الله إياهم، وتوفيقه لهم، والمستحقون أيضاً أن يوصفوا بأنهم «المفلحون» وهم المدركون ما طلبوا عند الله تعالى ذِكْرُه، بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله من الفوز بالثواب، والخلود في الجنان، والنجاة مما أعد الله تبارك وتعالى لأعدائه من العقاب. Your browser does not support the video tag.