دعوني أبدأ من حيث انتهى مقالي السابق، «إسعاد المستفيدين غاية تدرك ولا تترك، فإن لم يكن بالخدمة المتقنة، فليكن بالمعاملة الحسنة». هذه العبارة تصور المظلة الكبرى لتشكيل الصورة الذهنية للمنظمات؛ كونها تغطي بظلها طرفي الممكنات الرئيسة لذلك وهي جودة الخدمة، وما يتطلب تحقيقها من تحسينات تنظيمية وإدارية ولوجستية، وكذلك العلاقات المؤسسية وجسور الاتصال مع المتعاملين، التي تعزز الولاء والانتماء إلى جسد تلك المنظمة. ولا شك أن روافد تلك الممكنات تصب في الغاية الأسمى، والنتائج المرجوة، وهي إسعاد المستفيدين، الذي يكفل بناء السمعة المؤسسية الإيجابية. تمثل مجموعة الانطباعات التي تتشكل لدى المستفيدين سواء عبر التجربة الشخصية أو مداولات الآخرين، الصورة الذهنية التي ترسم السمعة عن المؤسسة أو موظفيها، فعندما نتحدث عن «أرامكو» - على سبيل المثال -، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك الهيبة والالتزام والإتقان والجودة العالية، وذلك بالطبع مصدر فخر واعتزاز لنا جميعاً. ولو ذُكرت السيارات الألمانية حتماً فسترفع القبعة لها؛ نظراً لبلوغها سقف التميز، وتجاوزها حدود التوقعات، وتجسيدها جميع الوعود في لوائحها بما ما يعزز الثقة بها. وعلى النقيض من ذلك تبنت إحدى المؤسسات الغذائية قاعدة «خذ الأيزو واعمل اللي عايزو»، ضاربةً عرض الحائط بتطبيق مواصفات السلامة، فمضت تحقق دخلاً يومياً يقارب 200 ألف ريال، إلى أن أتت الكارثة التي عصفت بها نتيجة تسمم عدد من العملاء، ما جمد عداد الدخل عند أربعة آلاف ريال في اليوم الواحد. تعد السمعة المؤسسية - من وجهة نظري - ضمن الأصول التي يتعين أن تحافظ عليها المؤسسات وتصونها، بل هي كرأس المال والأرباح الواجب تنميتها في منحى إيجابي صاعد. ولكي تنجح المؤسسات السعودية بقطاعاتها الثلاثة في إدارة سمعتها بشكل منهجي، أرى أهمية التركيز على خمسة محكات جوهرية. أولاً: الموظف شريك النجاح، إذ لا بد من تهيئة كل المقومات التي تدعمه في تحقيق مؤشرات الأداء المستهدفة من بيئة وتدريب وأدوات وصلاحيات وتحفيز، إضافة إلى قنوات الاتصال الداخلية وأطر العلاقات الإنسانية التي ينعكس أثرها على تعامله مع المستفيدين. ثانياً: الاهتمام بالعميل والمستفيد، والتركيز على احتياجاته، وترجمتها واقعاً في مواصفات الخدمات والمنتجات. ثالثاً: الميزة التنافسية التي تجعل المنظمة تتفرد في محيطها الأزرق الهادئ بتوظيف عملية الابتكار والإبداع والتقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي. رابعاً: التأثير في المجتمع عبر المساهمة في تنميته والمحافظة على مقدراته وبيئته بالمنهجيات الخضراء المتبعة. خامساً: المقارنة المرجعية بأفضل الممارسات العالمية. ختاما أقول: لا بد أن تعمل مؤسساتنا على توظيف جميع الأدوات التي ترفع كفاءتها وفاعليتها المؤسسية، بما يعكس الصورة الإيجابية لها، ويكفل وجودها على خريطة التنافسية الدولية، ولنتذكر كلمات خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-: «هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كل الأصعدة». واحذروا .. «يمكن أن يستغرق بناء السمعة 20 عامًا، وهدمها لن يتجاوز خمس دقائق فقط» وارن بفت. Your browser does not support the video tag.