هو الشيخ عبدالظاهر بن محمد نور الدين الفقيه - أبو السمح -، ولد العام 1300ه في بلدة التلين التابعة لمركز منيا القمح مديرية الشرقية بمصر، وكان أبوه معلم القرآن في القرية، فعلمه القرآن وحفظه وعمره تسعة أعوام، ولما أتم حفظ القرآن أدخله والده في الأزهر ومكث في الأزهر عشرة أعوام متعلماً وقارئاً ودارساً جميع العلوم التي تدرس في الأزهر حافظاً لمتونها مستظهراً لها، وقد رزقه الله الحفظ السريع وبطء النسيان وذكاءً جيداً. وفي سنة 1344ه حج الشيخ المقرئ عبدالظاهر أبو السمح - رحمه الله - مع شيخه العالم محمد رشيد رضا - رحمه الله - والشيخ المحدث محمد عبدالزراق حمزة ومعهم مجموعة من طلبة العلم فنزلوا بضيافة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، وكان الملك قد أوعز لأبي السمح والشيخ محمد حمزة أن يبقيا في مكة لأجل الاستفادة من علمهما فأجابا مسرورين بهذا الموضوع وانتهى حج العام 1344ه، هذه أول رحلة حج للشيخ عبدالظاهر أبي السمح بل أول قدوم إلى المملكة العربية السعودية. وفي العام 1345ه عينه الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - إماماً وخطيباً للمسجد الحرام، بعد ذلك عينه الملك في العام 1347ه عضواً مراقباً في هيئة المراقبة والمدرسين في الحرم المكي، كذلك في العام 1348ه عُيّن وكيلاً لهيئة التدريس والمراقبة في الحرم المكي، ومن أعماله وأنشطته المهمة أنه عقد حلقة علم وتدريس بالمسجد الحرام في علم التوحيد والعقيدة، وكذلك درس تجويد القرآن الكريم. التزود بالعلم بعد الأزهر دخل عبدالظاهر أبو السمح مدرسة المعلمين الأولية وحصل على هذه الشهادة، وكان العلامة الشهير عالم الشيخ محمد رشيد رضا قد أنشأ مدرسة اسمها دار الدعوة والإرشاد فانضم إليها هذا الشاب متعطشاً للتزود من العلم والعلوم، وطالب العلم الحقيقي هو الذي لا يشبع مطلقاً من العلم فكان أبو السمح - رحمه الله - من طلاب العلم الذين لا يشبعون من المعرفة ولا يكتفون بما عندهم من العلم، ومع أنه انتظم في الأزهر عشرة أعوام متتالية دارساً على مشايخ وعمالقة الأزهر في العقد الثاني من القرن الرابع عشر الهجري أوائل القرن العشرين، إلاّ أنه إذا وجد سبيلاً وطريقاً إلى الاستزادة توجه إليه مسرعاً، وقد جلس مدة من الزمن في مدرسة محمد رشيد رضا - رحمه الله - ونهل من علومه وجالسه في الدار وفي منزله وأصبح من تلاميذه النبغاء ومن محبيه وتأثر به، وهذه المدرسة اسمها دار الدعوة والإرشاد، ولازم حضور مجالس الشيخ محمد أمين الشنقيطي وأحب دروسه، وكانت هذه المجالس والدروس مفتاحاً له لمعرفة كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم وأصبح يقرأ فيهما، وبعد مدة رحل الشيخ أبو السمح إلى الإسكندرية الابتدائية حيث عين في مدرسة الإسكندرية وقد قام بتأسيس فرع لجماعة أنصار السنة التي كانت على هدى السلف الصالح في الدعوة والإرشاد والنصح ونبذ الخرافة، فنفع الله بدعوته في الإسكندرية وآتت ثمار دعوته هذه. إفحام الخصم وكان الشيخ أبو السمح لديه قدرة منطقية وملكة في الإقناع وإفحام الخصم مع غزارة العلم بالكتاب والسنة والصبر والمصابرة على الأذى الحسي والمعنوي، واستمر في الإسكندرية يقول عن نفسه فيما نقله عنه د. أحمد الطاهر في كتابه جماعة أنصار السنة: «فإن الله تعالى لما منّ علي بمعرفته ووفقني لاتباع كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم رأيت أن من أوجب الواجبات على الدعوة إليه تعالى والحث على التمسك بالسنة المحمدية واتباع سبيل المؤمنين السالفين، وكان من أهم شيء عندي أن أبدأ به بيان التوحيد»، ويقول أيضاً الشيخ أبو السمح إبان سكنه الإسكندرية: «وقد أتاح الله لي فرصة الدعوة إليه في رمل الإسكندرية، فأخذت أقرأ دروساً في المساجد وألقي خطباً وأدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة حسب طاقتي» - انتهى كلامه -. الجدير بالذكر أن الشيخ أبي السمح قد حصل على دبلوم من مدرسة المعلمين بالقاهرة تؤهله للتدريس، ويطلق على هذه الشهادة كفاءة المعلمين وقد مارس التدريس في دار الدعوة والإرشاد بعد حصوله على هذه الشهادة مدرساً للخط والقرآن الكريم، وقبل الانتقال إلى الإسكندرية عمل معلماً في ابتدائية بالسويس. احتساب الأجر وقد استمر الشيخ أبو السمح مدرساً وأستاذاً وواعظاً ومعلماً لعلوم الشريعة في الإسكندرية قرابة العشرة أعوام، باذلاً جهده وطاقته وشبابه وصحته ووقته وجميع إمكاناته في الدعوة إلى الله تعالى محتسباً الأجر والمثوبة من الله تعالى، وليس له راتب حكومي أو دخل دائم، لكن الله سبحانه سخر له بعض خلقه الذين أحبوه محبة خالصة وصادقة من أهالي الإسكندرية، وقد عُرف عن الشيخ عبدالظاهر أبي السمح الزهد في الدنيا والبعد عن المظاهر وعيش الكفاف والقناعة بما رزقه الله لذلك بارك الله له في حياته ودعوته في الإسكندرية وفيما بعد ذهابه إلى مكة، فكل رجل مشهور وناجح في عمله له محبون وأصفياء وكذلك بالمقابل يكون له حساد وخصوم فكذلك الشيخ أبو السمح عندما اشتهر أمره وعلا ذكره وبعد صيته فكان أناس مؤيدين له وآخرون معارضين، ورضا الناس غاية لا تدرك، ومن اعتقد أنه سيرضي مجتمعه كله فهو كقابض الريح، هذه حياة أبي السمح في مصر والإسكندرية. إمام وخطيب الحرم كما قلت في المقدمة عن حياة الشيخ أبي السمح في العام 1344ه وبعد مضي عام على ضم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - مكة وبقية الحجاز فيما بعد في حكمه، قدم الشيخ أبو السمح مع وفد برئاسة العالم الشهير محمد رشيد رضا ومعه تلميذاه الشيخ عبدالظاهر أبو السمح والمحدث صديق أبي السمح الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة، وقد ذهب الوفد إلى الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - للسلام عليه وبعد أداء فريضة الحج استقرت نية الشيخين البقاء في مكة إقامة دائمة وكان ذلك رغبة من الملك عبدالعزيز، وبعد انتهاء العام 1344ه وبتاريخ الثامن من ربيع الآخر للعام 1345ه يقول الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة - كما نقله عنه الشيخ محمد بن أحمد سيد - رحمه الله - في كتابه عن الشيخ محمد حمزة -: ووصلنا الحجاز في الثامن من ربيع الثاني سنة 1345ه وتقابلنا في جدة بجلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في دار الشيخ محمد نصيف وجيه جدة والحجاز فعين أبا السمح إماماً وخطيباً للمسجد الحرام، وتعينت أنا مدرساً بالمسجد الحرام ومدرساً بالمعهد العلمي السعودي، ومن ذلك التاريخ العام 1345ه والشيخ عبدالظاهر أبو السمح إمام وخطيب للمسجد الحرام وحتى وفاته - رحمه الله - العام 1370ه، أي أنه مكث خمساً وعشرين سنة في محراب المسجد الحرام أمام الكعبة، ويا له من شرف كبير ومجد خالد لأبي السمح - رحمه الله - في إمامة أفضل وأقدس بقعة على وجه الأرض المسجد الحرام، وهو من أوائل الأئمة في المسجد الحرام الذين عينهم الملك عبدالعزيز. أعماله ووظائفه كان من الوظائف التي تولاها الشيخ عبدالظاهر أبو السمح - رحمه الله - غير إمامة المسجد الحرام والخطابة يوم الجمعة حيث عينه الملك عبدالعزيز العام 1347ه عضواً مراقباً في هيئة المراقبة والمدرسين في الحرم المكي، وفي سنة 1348ه عين وكيلاً لهيئة التدريس والمراقبة في الحرم المكي، وكذلك من أعماله وأنشطته المهمة أنه عقد حلقة علم وتدريس بالمسجد الحرام في علم التوحيد والعقيدة، وكذلك درس تجويد القرآن الكريم؛ لأن الشيخ عبدالظاهر مقرئ وقد درس وتعلم القراءة بالسبع واستمر يدرس - رحمه الله - طوال عقدين ونصف العقد في المسجد الحرام، وقد أحسن في تدريسه وفي أسلوبه الذي سلكه في إلقاء الدروس، ولأن له خبرة سابقة في التدريس ويحمل شهادة في طرق التدريس مع ما منحه الله من الفصاحة في اللسان وغزارة العلم ورسوخ القدم وعلو الكعب في المعرفة تجمع حوله جمهرة من التلاميذ يغرفون من معين علمه، فمنهم من أخذ القرآن وتجويده، ومنهم من أخذ عنه علم التوحيد، ومن مشاهير تلاميذه الشيخ المحدث محمد عبدالرزاق حمزه، أخذ عنه القرآن وتجويده في مصر. الجدير بالذكر أن الشيخ عبدالظاهر أبا السمح متزوج من أخت تلميذه الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة وكانا صديقين وكانت بينهما المحبة تحابا في الله اجتمعا على هذه المحبة وفرق الموت بينهما وهم متحابان. دار الحديث الخيرية ومن تلاميذ الشيخ أبي السمح الشيخ الفقيه المحقق الزاهد محمد بن سليمان البسام - رحمه الله - أخذ عنه التجويد والتوحيد، وكان الشيخ البسام يثني على شيخه بالعلم عبدالظاهر كما أخبرني ابنه الباحث الشيخ منصور البسام، ومن مشاهير تلاميذه كذلك الشيخ الشهير عبدالله بن عبدالغني خياط أخذ عنه التجويد والتوحيد، والشيخ عبدالله خياط ممن تأثر بقراءة الشيخ عبدالظاهر أبي السمح ونغمات صوته قريبة جداً من أداء وتلاوة الشيخ عبدالظاهر، ومن الذين أخذوا علم التجويد عن الشيخ عبدالظاهر سماحة الفقيه عبدالله بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ومن أهم الأعمال التي قام بها الشيخ أبو السمح هي إنشاؤه وتأسيسه لدار الحديث بمكة، فقد عرض الفكرة على الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - بعدما عرض نظامها والهدف منها، فوافق الملك عبدالعزيز، ففي العام 1352ه تم افتتاح دار الحديث التي يطلق عليها دار الحديث الخيرية وفتحت أبوابها للطلاب، وكان الهدف هو التركيز على دراسة الحديث النبوي وإحياء السنة النبوية ودراسة العلوم الشرعية الأخرى وعلوم اللغة العربية وغيرها من الأهداف السامية، ولاشك أن هذا الإنجاز الذي أسسه الشيخ عبدالظاهر أبو السمح لهو كبير وجليل فمنذ العام 1352ه وحتى وقتنا الحاضر مازالت هذه المدرسة تخرج الكثير من الطلاب من مختلف الجنسيات وهي حسنة من حسنات الشيخ عبدالظاهر، وهي أثر باقٍ من آثاره التي استمرت بعد وفاته، ولقد مضى على إنشائها اثنان وتسعون سنة، ولم تتوقف طيلة هذه الأعوام، رحم الله أبا السمح فله نصيب كبير من اسمه فكان سمحاً في أخلاقه وتعامله وسلوكه مع التلاميذ ومع الناس ولمن عرفه. يقول عنه تلميذه وصديقه المحب الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة عند وفاته: فقد المسجد الحرام إماماً كان أهلاً لإمامته ومزماراً من مزامير آل داوود مرتلاً لآياته بصوته الرخيم أمام وجه الكعبة ربع قرن من الزمان. مؤلفات ورسائل وألف الشيخ عبدالظاهر أبو السمح مؤلفات ورسائل نشرت أيام حياته، منها رسالته القيِّمة «الأولياء والكرامات»، وقد اطلعت عليها وهي كتيب جيّد طبع لأول مرة العام 1368ه ولم يعاد طبعها، ورسالته الحج وفق السنة النبوية، وكان - رحمه الله - يجيد النظم وله منظومة في التوحيد والعقيدة، ورسالته «في آداب تلاوة القرآن واستماعه»، وقد طبع بعض الكتب ككتاب «الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي» على نفقته ومعه محمد صالح نصيف العام 1346ه. وقد توفي الشيخ عبدالظاهر أبو السمح في مستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية بحي العجوزة بمصر العام 1370ه في شهر رجب - غفر الله ورحمه وتجاوز عنه -. ومن جانب آخر فإن الباحث محمد سيد أحمد - رحمه الله - المدرس بدار الحديث الخيرية قد ألف كتاباً عن حياة الشيخ عبدالظاهر أبي السمح، كما أخبرني عبر لقاء في الرياض قبل عشرة أعوام، ولا أعلم ما هو مصير هذا الكتاب، رحم الله الباحث محمد سيد أحمد فقد توفي قبل خمسة أشهر وله بحوث وكتب في السير والتراجم. عبدالظاهر أبو السمح الشيخ عبدالله عبدالغني خياط أحد تلاميذ أبو السمح عقد حلقة علم وتدريس بالمسجد الحرام في التوحيد والعقيدة أبيات كتبها محمد زبارة عالم اليمن إلى أبو السمح بخط المؤرخ تركي القاضي صلاح الزامل Your browser does not support the video tag.