خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام، ثم خلق الإنسان، ثم أوجد هذا الإنسان الأنظمة السياسية والكيانات في هذه الأرض، فما أن يزول كيان حتى يظهر غيره. وقد قامت حضارات كثيرة في العصور الحجرية وظهرت بعدها حضارات في العصور النحاسية والبرونزية ثم الحديدية - وهي العصور التي استبدل فيها الإنسان استخدام الأدوات والأسلحة والأواني من الحجارة إلى النحاس والبرونز ثم الحديد- فقد قامت في بلاد بين النهرين الحضارة السومرية وقامت بعدها حضارات في نفس المنطقة كالحضارة الأكادية والآشورية والبابلية وقامت في مصر حضارات تعود للعصر البرونزي مثل السلالات المبكرة وغيرها وفي بلاد عيلام المعروفة بإيران اليوم قامت حضارات في العصر الحديدي كالفارسية الإخمينية، ثم الإمبراطورية البارثية ثم الفارسية الساسانية. فكل هذه الحضارات المشهورة في العصر القديم قد زالت ولم يتبق منها شيء سوى ما تركته من أطلال أو آثار. إن كثيراً من المناطق الجغرافية لا تزال تحتفظ بسميات قديمة مثل مصر والعراق وعمان وفلسطين – وهذه التسميات ليست للحضارات القديمة – وأنظمتها السياسية القائمة اليوم ليست امتداداً لهذه الحضارات القديمة، فالدول التي اتخذت هذه المسميات هي دول حديثة، فجمهورية مصر العربية قد تأسست سنة 1952م وجمهورية العراق تأسست سنة 1958م وكذا الحال مع دول أخرى يعتقد الكثيرون أنها قديمة. عندما نتحدث عن السعودية فقد كان تأسيسها عام 1744م على يد الإمام محمد بن سعود رحمه الله قبل ما يقرب من 275 عاماً، وقد كان قبل ذلك أميراً للدرعية في إمارة متوارثة – أي أنه من أهل هذه المنطقة ومعروف امتداد أسرته القديم فيها. وإن تحدثنا عن الدولة السعودية الحديثة التي أسسها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه فقد كان ذلك عام 1902م أي قبل 116 عاماً، وتسميتها بالمسمى الحديث «المملكة العربية السعودية» كان قبل 88 عاماً هجرياً، لكن الفرق بين هذه الدولة ودول أخرى أنها توحدت تحت راية واحدة، ولم تكن تحت حكم أجنبي ولم تستقل عن محتل. والسبب في اعتقاد البعض ذلك هو المسمى الحديث لهذا النظام السياسي القديم فهناك دول أخذت تسميتها من مناطقها الجغرافية ودول سميت باسم الأسرة الحاكمة فيها أو باسم شعوب أو أشخاص، وهذه التسمية ليست خاصة بالمملكة فقط بل بدول كثيرة حول العالم في القديم كالدولة الأموية والعباسية والفاطمية والحديث كالمملكة الأردنية الهاشمية أو الفلبين أو بوليفيا أو كولومبيا أو التشيك أو الدومينيكان أو فرنسا أو ألمانيا وغيرها الكثير. لكن الفرق بين شعوب تلك المناطق وشعب المملكة خصوصاً والجزيرة العربية عامة هو أن هذه الشعوب متنقلة من منطقة لأخرى لأسباب سياسية أو اقتصادية أو معيشية فكونت هذه الشعوب جزءاً من تلك الحضارات حول العالم، بينما شعب الجزيرة العربية يعيش في هذه المنطقة منذ زمن سحيق كون الجزيرة كانت أرضاً مصدرة وليست مستقطبة والهجرات إليها كانت فردية لا جماعية. أما إن تحدثنا عن الحضارات في المملكة العربية السعودية فإن حضارة كحضارة المقر يعود عمرها إلى العصر الحجري الحديث قبل تسعة آلاف سنة فهي أقدم من حضارات سومر والفراعنة والإغريق والفرس، ولنتذكر أن أول بيت وضع للناس هو بيت الله الحرام في مكةالمكرمة. عبدالمجيد المدرع Your browser does not support the video tag.