يقف زوار المسجد النبوي مهابة وإجلالاً في أقدس بقاع الأرض، حرم النبي صلى الله عليه وسلم، وسكنى جسده الطيب الطاهر، عظمة المكان تخالج الوجدان، وتخالط الأنفاس، وعمارته تشد الأفئدة والأنظار، تاريخ طويل اختطه المقدم المبارك لدار الهجرة، وتشييد النبي الأعظم مسجده الشريف ليكون منطلقاً لرسالة القيم والمبادئ والرحمة والسلام. اكتمال التوسعة يرفع الطاقة الاستيعابية إلى مليوني مصلٍ تبهر الأحاسيس أدق التفاصيل المصاحبة للعمارات والتوسعات الكبرى التي حافظت على إرث إسلامي خالد، وأجواء روحانية فريدة، فمراحل البناء العملاقة وضع لبناتها الأولى المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وامتدت حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، ليشهد الحرم الشريف أضخم توسعة على مر التاريخ، مترجماً كل شواهد العناية والرعاية والاهتمام. التشييد والتوسعات القديمة شهد الحرم النبوي العديد من التوسعات عبر التاريخ، بدءاً بالعهد النبوي ومروراً بالخلفاء الراشدين، ثم الدولة الأموية، فالعباسية، والعثمانية، وأخيراً في العصر الميمون والعهد الزاهر للدولة السعودية. وتروي صفحات التاريخ كيف بني المسجد في العهد الأول، ورفعت جدرانه وأعمدته، ليصل ارتفاع سقفه سبعة أذرع، وفتحت أبواب حجرات أمهات المؤمنين تجاهه، وذلك بعد إضافة الطرقة التي كانت تفصلها عنه، وكانت مساحته آنذاك مربعة الشكل 100×100 ذراع. أما العمارة الثانية فقد تمت في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان البناء بتقديم جدار القبلة بمقدار عشر أذرع، وتم زيادة 20 ذراعاً من الناحية الغربية، ومن جهة الشمال زاد البناء 30 ذراعاً، فجاء مستطيل الشكل طوله من الشمال 140 ذراعاً، ومن الشرق 120 ذراعاً، ورفع سقفه إلى قرابة 11 ذراعاً، وأضيفت له ثلاثة أبواب أخرى، وهي: باب في الحائط الشمالي، وباب النساء، وباب السلام. وفي العمارة الثالثة التي كانت في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، تمت زيادة 10 أذرع من جهة القبلة، ومن الناحية الغربية تمت زيادته عشر أذرع بواقع أسطوانة واحدة، ولم تشهد الناحية الشرقية زيادة في البناء، في حين زاد من الشمال والغرب. ونفذت العمارة الرابعة في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، حيث أدخلت حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ضمن بناء المسجد، وكان بناؤه من الحجارة المنقوشة وسواريه من الحجارة المنقورة، وحشيت بعمد الحديد والرصاص، وعُمل سقفان للمسجد: علوي وسفلي، فكان السقف السفلي من خشب الساج "نوع من الأشجار"، وعُمل في سقفه ماء الذهب، وجعل للمسجد أربع مآذن، وقد زاده من جهة الغرب نحو 20 ذراعاً، ومن جهة الشرق نحو 39 ذراعاً، وزاد فيه من جهة الشمال نحو 10 أذرع. وكانت أعمال العمارة الخامسة في عهد المهدي العباسي، حيث زاد فيه من الناحية الشمالية فقط، وكان مقدار الزيادة 100 ذراع. في حين شهد عهد السلطان المملوكي الأشرف قايتباي تنفيذ أعمال العمارة السادسة، حيث عُمل للمسجد سقف واحد ارتفاعه 22 ذراعاً، وتم تسقيف المسجد العام 888ه، وكان مما بناه القبة التي على الحجرة الشريفة. في حين تمت العمارة السابعة في عهد السلطان عبدالمجيد الأول، الذي أعاد بناء المسجد النبوي، وأضاف العديد من القباب والدور والمدارس في مؤخرة الحرم. العمارات السعودية أولت حكومة المملكة منذ تأسيسها اهتماماً بالغاً بالحرمين الشريفين، ومن صور تلك العناية التوسعات المتلاحقة التي شهدها المسجد النبوي في العهد السعودي، فعندما تولى الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - مقاليد الحكم، قام بأول زيارة إلى المدينةالمنورة في الشهر الثامن من العام 1345ه للصلاة في مسجد النبي الكريم، والسلام على خير البرية، ثم النظر في شؤون الحرم الشريف، حيث لاحظ تصدعات في بعض العقود الشمالية، وتفتت بعض حجارة الأعمدة، فأصدر أوامره بالإصلاح والترميم، وكان ذلك العام 1348ه، فأجريت إصلاحات في أرضيته وأروقته، وبعض الأعمدة بالأروقة الشرقية والغربية، والتشققات التي ظهرت في دهان الحجرة النبوية الشريفة، وكان ذلك العام 1350ه، وبعد وفاته - رحمه الله - واصل أبناؤه مسيرة التطوير والتجديد، فتسلم زمام الحكم الملك سعود - رحمه الله - في نفس العام، وكان كثير الاهتمام بأمر التوسعة، تم في عهده إكمال بناء توسعة المسجد على أتقن وأجمل شكل، وأقيمت احتفالية بهذه المناسبة في الشهر الثالث العام 1375ه، وفي عهد الملك فيصل - رحمه الله - تمت توسعة الجهة الغربية، واشتريت العقارات والدور والمساكن، وظللت بمظلات مقببة قوية مؤقتة على مساحة 40500م2، وجهزت بجميع اللوازم حتى صارت صالحة للصلاة، وفي عهد الملك خالد - رحمه الله - جرت توسعة ثالثة حينما وقع حريق في المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي من المسجد سنة 1397ه، فأزيلت المنطقة، وتم تعويض أصحاب العقارات، وضمت الأرض إلى ساحات الحرم، وظللت منها مساحة 43000 م2، على غرار المظلات السابقة، وهيئت للصلاة فيها، وأثناء زيارة الملك فهد - رحمه الله - للمدينة المنورة في شهر المحرم العام 1403ه، شعر أن المسجد لا يتسع لكل المصلين والزوار، وأن المظلات المقامة لم تعد كافية، فأمر بوضع دراسة لتوسعة مسجد رسول الله توسعة كبرى، تستوعب أكبر عدد ممكن من المصلين، وبالفعل تمت الدراسة وامتدت التوسعة من جهة الغرب حتى شارع المناخة، ومن الشرق إلى شارع أبي ذر بمحاذاة البقيع، ومن الشمال أيضاً، وفي يوم الجمعة التاسع من شهر صفر العام 1405ه، وضع - رحمه الله - حجر الأساس لهذه التوسعة المباركة، والتي فاقت في مساحتها كل التوسعات السابقة، وتواصلت تلك التوسعات السعودية، إذ شهدت المدينة أواخر العام الهجري 1434ه، في عهد الملك عبدالله - رحمه الله - توسعة كبرى. مسجد النبي في قلب سلمان وبعد وفاة الملك عبدالله تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - مقاليد الحكم، فكان أول اهتماماته إتمام أكبر توسعة في تاريخ الحرم الشريف، والذي يرفع طاقته إلى مليوني مصلٍ مع نهاية أعمال المشروع، ليمثل حدثاً إسلامياً بارزاً يتردد صداه في مختلف أنحاء المعمورة، وكانت تأكيداته - رعاه الله - على الحرص التام على متابعة العمل في التوسعة والمشروعات المرتبطة بها، التي تصب جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، وكذلك خدمة أهالي دار الرسول الأمين وزوارها، وهو النهج الرشيد والحكيم الذي سار عليه قادة البلاد منذ التأسيس خدمة للحرمين الشريفين تطويراً وتوسعة، وتوفير الخدمات كافة في المشاعر المقدسة ليؤدي القادمون إلى المملكة مناسكهم وعباداتهم بكل سهولة ويسر. خادم الحرمين يتشرف بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجسم تقريبي للحرم الشريف في العهد النبوي إعمار وتشييد لم يتوقف منذ وضع المؤسس اللبنة الأولى المسجد النبوي شاهد على عناية المملكة بالمقدسات التوسعة الأخيرة تستهدف رفع الطاقة الاستيعابية الحرم الشريف قبل التوسعات السعودية تطييب زوار الحرم المسجد النبوي Your browser does not support the video tag.