وقف الزائر ياسر أحمد بإجلال مشدوها بعشرات الصور ومقاطع الفيديو والمجسمات التي جعلته يستحضر زمناً جاوز ال 14 قرنا يسمع أناشيد الأنصار ترحيبا بمقدم النبي الأعظم "طلع البدر علينا من ثنيات الوداع" ليبارك مدينتهم وينشر السلام والرحمة للعالم فيبتني بمعاونة أصحابه الكرام مسجده الشريف ليكون منطلقا لكل التعاليم والقيم والمبادئ السامية. يتنقل ياسر بجميع أحاسيسه وهو يقرأ عناصر كل صورة في معرض عمارة وتوسعة المسجد النبوي الشريف المتاخم للحرم، والتي تحكي أدق التفاصيل التي صاحبت هذه التوسعات، والتغير الذي طرأ من توسعة لأخرى، ومتابعة مراحل التطوير العملاقة في المسجد منذ البداية وحتى عصرنا الحالي تاريخ طويل وعمارات متلاحقة دونتها الكتب بمداد من الشرف لكل خليفة أو سلطان أو ملك أنفق بسخاء لعمارة ثاني المسجدين. الزائر ياسر هو واحد من مئات الزوار الذين أبهرتهم محتويات المعرض الذي يبرز توسعات المسجد وعمارته عبر التاريخ في أكثر من (35) صورة فوتوغرافية، ووسيلة عرض ومجسمات وأشرطة وثائقية باللغتين العربية والإنجليزية، ومجموعة متكاملة من اللوحات التي توضح مراحل بناء التوسعة منذ وضع حجر الأساس مروراً بأعمال إزالة المباني والحفر ووضع الأساسات إلى أن تم التشييد والبناء للمسجد النبوي وساحاته ومواقف السيارات ومرافق الخدمات، إضافة إلى نسخ لبعض وصور لرسائل الدعوة الأولى، فضلا عن مجسم يحوي خاتم النبي صلى الله عليه وسلم. ياسر تابع بشغف داخل القاعة المعدة شريطا مصورا لمدة عشرين دقيقة يحكي المراحل التي خضع فيها المسجد النبوي للتوسعة والعمارة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى اليوم، بالإضافة إلى المشاريع الأخيرة التي حوتها بالامتداد شرقا آلاف الأمتار وتظليل ساحات المسجد ونظام التهوية والترطيب لرذاذ الماء من خلال المراوح، كما شاهد نسخاً لبعض المخطوطات النادرة ونسخاً من المصحف الشريف واستمع إلى معلومات مهمة عن البناء المعماري للمسجد النبوي ومرافقه من مباني الخدمات وغرف التحكم ونفق الخدمات ومحطات الطاقة الكهربائية الاحتياطية والتكييف. تعاطى ياسر مع حقائق راسخة ماثلة للعيان ترجمت بجلاء العناية بالحرمين الشريفين منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله -، مشيدا بهذه العناية الفائقة والجهود المتواصلة والواضحة والتوسعات العملاقة المتلاحقة التي حافظت على التراث الإسلامي والأجواء الدينية البديعة، متضرعا إلى الله جل وعلا أن يحفظ قيادة المملكة ويديم على بلاد الحرمين الشريفين الأمن والأمان. الحرم المدني والتوسعات عبر التاريخ يشار إلى أن المسجد النبوي شهد العديد من التوسعات عبر التاريخ، مروراً بعهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية فالعباسية والعثمانية، وأخيراً في عهد الدولة السعودية، إذ شهد توسعات هي الأكبر في تاريخه، تحمل في جنباتها كل ما يخدم قاصدي المسجد النبوي الشريف، فقد كانت العمارة الأولى للمسجد النبوي الذي بناه خير البشر بعد هجرته تطلبت رفع جدرانه وإطالة أعمدته، حيث صار ارتفاع سقفه سبعة أذرع، وصارت أبواب حجرات أمهات المؤمنين تفتح مباشرة في المسجد النبوي الشريف، وذلك بعد إضافة الطرقة التي كانت تفصلها عنه، وكانت مساحته آنذاك مربعة الشكل 100×100 ذراع، أما العمارة الثانية فقد تمت في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان البناء بتقديم جدار القبلة بمقدار عشرة أذرع، وتم زيادة 20 ذراعاً من الناحية الغربية، ومن جهة الشمال زاد البناء 30 ذراعاً، فجاء مستطيل الشكل طوله من الشمال 140 ذراعاً ومن الشرق 120 ذراعاً، ورفع سقفه إلى حوالي 11 ذراعاً، وأضيفت له ثلاثة أبواب أخرى؛ وهي باب في الحائط الشمالي، وباب النساء، وباب السلام، وفي العمارة الثالثة التي كانت في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، تمت زيادة 10 أذرع من جهة القبلة والذي لا يزال مصلّى الإمام إلى يومنا، ومن الناحية الغربية تمت زيادته عشرة أذرع بواقع أسطوانة واحدة، فيما لم تشهد الناحية الشرقية زيادة في البناء، في حين زاد من الشمال والغرب، ونفذت العمارة الرابعة، في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك أدخلت حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ضمن بناء المسجد، وكان بناؤه من الحجارة المنقوشة وسواريه من الحجارة المنقورة، وحشيت بعمد الحديد والرصاص، وعمل سقفان للمسجد؛ علوي وسفلي، فكان السقف السفلي من خشب الساج، وعمل في سقفه ماء الذهب، وجعل للمسجد أربع مآذن، وقد زاده من جهة الغرب نحو 20 ذراعاً، ومن جهة الشرق نحو 39 ذراعاً، وزاد فيه من جهة الشمال نحو 10 أذرع، وكانت أعمال العمارة الخامسة في عهد المهدي العباسي، حيث زاد فيه من الناحية الشمالية فقط، وكان مقدار الزيادة 100 ذراع، في حين شهد عهد السلطان المملوكي الأشرف قايتباي، تنفيذ أعمال العمارة السادسة حيث عمل للمسجد سقف واحد ارتفاعه 22 ذراعاً، وتم تسقيف المسجد عام 888ه، وكان مما بناه القبة التي على الحجرة الشريفة، في حين تمت العمارة السابعة، في عهد السلطان عبدالمجيد الأول؛ الذي أعاد بناء المسجد النبوي، وأضاف العديد من القباب والدور والمدارس في مؤخرة الحرم وهي التي مازالت باقية إلى الآن. اهتمام سعودي غير مسبوق واصلت حكومة المملكة منذ تأسيسها، اهتمامها البالغ وعنايتها بالحرمين الشريفين توسعة وعمارة؛ ومن تلك العناية التوسعات المتلاحقة التي شهدها المسجد في العهد السعودي، فعندما تولى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- الحكم، قام بأول زيارة إلى المدينةالمنورة في شعبان عام 1345ه للصلاة في مسجد رسول الله، والسلام على خير البرية، ثم النظر في شؤون المسجد النبوي، فلاحظ تصدعات في بعض العقود الشمالية للمسجد، وتفتت بعض حجارة الأعمدة، فأصدر أوامره رحمه الله بإصلاح وترميم المسجد، وكان ذلك في سنة 1348ه، فأجريت إصلاحات في أرضيته وأروقته وبعض الأعمدة بالأروقة الشرقية والغربية، وكذا إصلاح التشققات التي ظهرت في دهان الحجرة النبوية الشريفة، وكان ذلك عام 1350ه، وبعد وفاته -رحمه الله-، واصل أبناؤه من بعده مسيرة تطوير وتجديد المسجد النبوي الشريف، فتسلم زمام الحكم الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله في نفس العام، وكان كثير الاهتمام بأمر التوسعة، حيث تم في عهده إكمال بناء توسعة المسجد النبوي الشريف على أتقن وأجمل شكل، وأقيم احتفال بهذه المناسبة، يوم الخامس من شهر ربيع الأول سنة (1375ه). وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله -، حصلت توسعة أخرى من الجهة الغربية، واشتريت العقارات والدور والمساكن التي احتيج إليها، وظللت بمظلات مقببة قوية مؤقتة في مساحة (40500) متر مربع، وجهزت بجميع اللوازم حتى صارت صالحة للصلاة، وفي عهد الملك خالد بن عبدالعزيز – رحمه الله-، جرت توسعة ثالثة حينما وقع حريق في المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي من المسجد سنة 1397ه، فأزيلت المنطقة، وتم تعويض أصحاب العقارات، وضمت الأرض إلى ساحات المسجد النبوي، وظللت منها مساحة 43000 متر مربع، على غرار المظلات السابقة وهيئت للصلاة فيها، وبذلك صارت المساحة الكلية للمسجد النبوي بعد التوسعة السعودية الأولى، 16327 مترًا مربعًا. شرف خدمة الحرمين وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، زار المدينةالمنورة في شهر المحرم عام 1403ه، وشعر خلال زيارته أن المسجد لا يتسع لكل المصلين والزوار، وأن المظلات المقامة لم تعد كافية، فأمر بوضع دراسة لتوسعة مسجد رسول الله توسعة كبرى، تستوعب أكبر عدداً ممكن من المصلين، وبالفعل تمت الدراسة بحيث ان هذه التوسعة تمتد من جهة الغرب حتى شارع المناخة، ومن الشرق إلى شارع أبي ذر بمحاذاة البقيع، ومن الشمال حتى شارع السحيمي. وفي يوم الجمعة التاسع من شهر صفر عام 1405ه، وضع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله ، حجر الأساس لهذه التوسعة المباركة، والتي فاقت في مساحتها كل التوسعات السابقة.وتواصلت تلك التوسعات السعودية، إذ شهدت المدينةالمنورة أواخر العام الهجري 1434ه، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله ، أكبر توسعة في تاريخ المسجد النبوي الشريف، إذ ارتفعت طاقته الاستيعابية لتصل إلى مليوني مصلّ مع نهاية أعمال المشروع، ويعد هذا المشروع الأكبر في تاريخ المسجد النبوي الشريف، ويمثل حدثاً إسلامياً بارزاً يتردد صداه في مختلف أنحاء المعمورة. وبعد وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، واصل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ، المسيرة في خدمة الحرمين الشريفين، إذ أكد حفظة الله ، أهمية الحرص على متابعة العمل في مشروع التوسعة الكبرى للمسجد النبوي والمشروعات المرتبطة بها، التي تصب جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، وكذلك خدمة أهالي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وزوارها. خالد الزايدي