تبقى ظاهرة خلو صالات السينما السعودية من أي فيلم سعودي والاكتفاء باستيراد الأفلام الأميركية مثيرة للتساؤل، هذا التساؤل يسلّط الضوء على كثير من تحديات الإنتاج المعقدة والمترابطة، فتشكيل بنية تحتية لصناعة جديدة قد تستغرق عدة سنوات من التخطيط الاستراتيجي والعمل الشاق حتى تكون الصناعة مستدامة. لكن المنطق يستوجب وجود أفلام سعودية طويلة قبل افتتاح دور عرض في كل مدينة أو إقرار تخصصات صناعة الأفلام في بعض الجامعات أو حتى إقامة احتفالات سينمائية سنوياً. العائق الأكبر والرئيس أمام إنتاج الفيلم السعودي هو الافتقار إلى التمويل، ولأن صناعة السينما مكلفة عالمياً وحديثة سعودياً فلن يغامر رأس المال المتردد بالإنتاج أولاً قبل دراسة طويلة ومحكمة للسوق، ليصبح الدعم والتمويل الوطني لصنّاع الأفلام السعوديين، القادرين على رسم ملامح أصيلة للسينما السعودية، أشبه بالحل الوحيد المفقود. الدعم الوطني للأفلام متعارف عليه في أغلب دول العالم، حتى الدول المتقدمة منها والتي تصنع السينما باحتراف منذ أكثر من مئة عام. فمثلاً في هذا العام 2018 فقط، والذي لم ينته بعد، موّلت الجمعية البريطانية للأفلام Institute Film British الأفلام البريطانية بمبلغ يُقدّر بأكثر من 85 مليون ريال سعودي. في الجهة المقابلة وفي نفس العام التي افتتحت فيه السينما، لم يبدأ التمويل الوطني لإنتاج الأفلام في المملكة حتى الآن، أو على الأقل لم يُعلن في هذا العام عن دعم جديد لأي مشروع فيلمي. الهدف الأول والأساسي من دعم الأفلام المحلية هو إنعاش روح الثقافة والفن واستثمار المواهب، وليس الربح. فالجمعية البريطانية للأفلام منذ تأسست في 1933 وهي تتكبد الخسائر المادية لأن جلّ الأفلام التي تخاطر في إنتاجها هي مشروعات أفلام شخصية وفنية لكتاب ومخرجين مبتدئين قد لا تستوعبهم شركات الإنتاج التجارية. وحسب الجمعية نفسها، فإن 7 % فقط من الأفلام البريطانية تحقق أرباحاً في شباك التذاكر، ومع ذلك تستمر الجمعية بضخ مئات الملايين في تمويلها للسينما؛ لأنها تعي جيداً أن غياب وجودها الفني والثقافي دولياً قد يكون أكثر كلفة على المدى البعيد. المجلس السعودي للأفلام هو الجهة السعودية الموازية للجمعية البريطانية للأفلام. يجب أن يُعطى المجلس ما يستحق من ميزانيات التمويل السخيّة التي تحظى بها الجمعية البريطانية أو نظيراتها في دول أخرى؛ لأنه وعلى الرغم من جهود ومبادرات المجلس المهمة في توفير وإعداد دورات تعليمية عديدة في مجالات صناعة الأفلام، إلا أنه من المفترض أن يكون تمويل الأفلام في أعلى سلم الأولويات. فإذا أُخذ بعين الاعتبار وجود عشرات المخرجين والمخرجات السعوديين المتمكنين والذين حازت أفلامهم على جوائز مهمة في الكثير من المهرجانات، ومئات صنّاع الأفلام السعوديين الذين تخرجوا من جامعات سينمائية في هوليوود وغيرها، يبرز التساؤل العاجل والمُلِح في كيفية تعزيز هذه الخبرات الوطنية في إنتاج سينما محلية تليق بمكانة المملكة عالمياً. Your browser does not support the video tag.