من الخير المعنوي والعلم المعرفي إتاحة رجل أو سواه فرصة الريادة لعمل بناء، وفعل عظيم كما أتيح للجاحظ الأديب والمثقف والعلامة؛ ذلك لأنه بدأ بالاطلاع الثقافي منذ علم نفسه بنفسه، فكان في شبابه يقرأ ما تقع عليه عينه وتلمسه يداه، ومن هنا استطاع أن يكون لشخصه ذخيرة معرفية واسعة واطلاعا باهرا في الأدب والفكر والشعر، وفنون المعرفة كالخطابة وكتابة الرسائل العلمية والنصوص الأدبية، ما حدا به التعرف الواسع على مجتمعه، عاداته ووعيه وثقافته، ودينة، واهتمامات الناس في عصره، وتوجهاتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسة في العصر العباسي، الذي شهد حضارة كبرى ومدارس عظمى، وأبحاث العلم والمعارف والثقافة والتمدن في العمران والبنيان وارتياد الناس للأدب ومجامعه والشعر ومجالسه والحضور والمشاهدة لأنواع العلوم وتجاربها والطب والفلسفة والعناية ببناء الحواضر والمدائن وعمران المدن كبغداد على سبيل المثال لا الحصر. لقد شهد الجاحظ هذه المدينة العمرانية والثقافية والأدبية والمعنوية، فشهد ذلك كله لينبغ في وسط هذه الأجواء الحسنة ليكون مكانة معنوية علمية في الأدب العربي من خلال كتبه المتعددة كالبيان والتبيين، والحيوان والبخلاء، ونظم القرآن، ورسائل خطابية علمية وأدبية، وهذه المصنفات المئوية كما يقول عبدالسلام هارون هي مراجع للأدب العربي، وأثر الجاحظ فيها كما يقول راقم هذا المقال. Your browser does not support the video tag.